2016/11/24

مجتمع الفارابي


المدينة الفاضلة وصفات رئيس المدينة وأنواع المجتمعات
مجتمع الفارابي: المدينة الفاضلة/خصال رئيس المدينة/ضرورة الاجتماع/ضرورة التعاون/أنواع المجتمعات.

تعريف بالفيلسوف المسلم أبو نصر محمد الفرابي:

الفيلسوف المسلم "أبو نصر  محمد الفارابي"،من فاراب في إقليم تركستان، مولود في عام 620ه/874م وتوفي في عام 339ه/950م في دمشق عن عمر يقرب من الثمانين عاما. هو فيلسوف أشتهر بإتقان العلوم الحكيمة، وبرع في العلوم الرياضية، وفي صناعة الطب وعلم بالأمور الكلية منها ولم يعمل بها، ويعود له الفضل في إدخال مفهوم الفراغ إلى علم الفيزياء. ولقد استحق فيلسوفنا العبقري هذا أن يلقب بالمعلم الثاني، كونه وضع نظاماً اجتماعياً ونسقاً فلسفياً ودينياً، قدوة مثالية للإنسانية كلها. وتأثر به كل من ابن رشد وابن سينا.
عاش فيلسوفنا في عصر يملؤه الصراع والنزاع والتقاتل والتعصب والتطرف الفكري والعقلاني والمذهبي والسياسي. وقد استقى نظرياته السياسية والاجتماعية، مما شهده وعرفه وعاصره في تلك الحقبة من الزمان وفي مملكة بني العباس خاصة.

الـمـــديــنــــــــة الــفــاضـــلــــــــــــة

==============

خصال رئيس المدينة:

فهذا هو الرئيس الذي لا يرأسه إنسان آخر أصلاً، وهو الإمام، وهو الرئيس الأول للمدينة الفاضلة، وهو رئيس الأمة الفاضلة، ورئيس المعمورة من الأرض كلها. فهذا هو الرئيس الذي لا يرأسه إنسان آخر أصلاً، وهو الإمام، وهو الرئيس الأول للمدينة الفاضلة، وهو رئيس الأمة الفاضلة، ورئيس المعمورة من الأرض كلهاولا يمكن أن تصير هذه الحال إلا لمن اجتمعت فيه بالطبع اثنتا عشرة خصلة قد فطر عليها:
1) أن يكون تام الأعضاء، قواها ملائمة ومناسبة أعضاءها على الأعمال التي شأنها أن تكون بها ومتى هم عضو ما من أعضائه بعمل يكون به أتى عليه بسهولة.
2) أن يكون بالطبع جيد الفهم والتصور لكل ما يقال له، فيلقاه بفهمه على ما يقصده القائل، وعلى حسب الأمر في نفسه.
3) أن يكون جيد الحفظ لما يفهمه، ولما يراه، ولما يسمعه، ولما يدركه، وفى الجملة لا يكاد ينساه.
4) أن يكون جيد الفطنة، ذكيًا، إذا رأى الشيء بأدنى دليل فطن له على الجهة التي دل عليها الدليل.
5) أن يكون حسن العبارة؛ بحيث يساعده لسانه على إبانة كل ما يضمره إبانة تامة.
6) أن يكون محبًا للتعليم والاستفادة، منقادًا له، سهل القبول، لا يؤلمه تعب التعليم، ولا يؤذيه الكد الذي يناله منه.
7) أن يكون غيـر شره على المأكول والمشروب والمنكوح، مجنبًا بالطبع للعب، مبغضًا للكذب وأهله.
8) أن يكون كبيـرَ النفس محبًا للكرامة، تكبـر نفسه بالطبع من كل ما يشين من الأمور، وتسمو نفسه بالطبع إلى الأرفع منها.
9) أن يكون الدرهم والدينار وسائر أعراض الدنيا هينة عنده.
10) أن يكون بالطبع محبًا للعدل وأهله، ومبغضًا للجور والظلم وأهليهما، يعطى النصف من أهله ومن غيره، ويحث عليه، ويؤتى من حل به الجور، مؤتيا لكل ما يراه حسنًا وجميلاً.
11) أن يكون عدلاً غير صعب القياد ولا جموحًا ولا كثير الإلحاح والتمادي معانداً إذا دعي إلى العدل، بل صعب القياد إذا دعي إلى الجور وإلى القبيح.
12) أن يكون قوى العزيمة على الشيء الذي يرى أنه ينبغي أن يفعل، جسورًا عليه، مقدامًا، غير خائف، ولا ضعيف النفس.
واجتماع هذه كلها في إنسان واحد عسر، ولهذا لا يوجد من فطر على هذه الفطرة إلا الواحد بعد الواحد، والأقل من الناس. فإن وجد مثل هذا في المدينة الفاضلة، ثم حصلت فيه بعد أن يكبر تلك الشرائط الست المذكورة قبل، أو الخمس منها دون الأنداد من جهة القوة المتخيلة، كان هو الرئيس، وإن اتفق أن لا يوجد مثله في وقت من الأوقات، أخذت الشرائع والسنن التي شرعها هذا الرئيس لا وأمثاله، إن كانوا توالوا في المدينة، فأثبتت. ويكون الرئيس الثاني، الذي يخلف الأول، من اجتمعت فيه من مولده، وصباه تلك الشرائط؛ ويكون بعد كبـره، فيه ست شرائط:
1) أن يكون حكيمًا.
2) أن يكون عالِـمًا حافظًا للشرائع والسنن والسير التي دبرها الأولون للمدينة، محتذيًا بأفعاله كلها حذو تلك بتمامها.
3) أن يكون له جودة استنباط فيما لا يحفظ عن السلف فيه شريعة، ويكون فيما يستنبطه من ذلك محتذيًا حذو الأئمة الأولين.
4) أن يكون له جودة روية، وقوة استنباط لما سبيله أن يعرف في وقت من الأوقات الحاضرة من الأمورِ والحوادث التي تحدث، مما ليس سبيلها أن يسير فيه الأولون، ويكون مُختبراً بما يستنبطه من ذلك صلاح حال المدينة.
5) أن يكون له جودة إرشاد بالقول إلى شرائع الأولين، وإلى التي استنبط بعدهم، مما احتذى فيه حذوهم.
6) أن يكون له جودة ثبات ببدنه في مباشرة أعمال الحرب، وذلك أن يكون معه الصناعة الحربية الخادمة والرئيسة.
فإذا لم يوجد إنسان واحد اجتمعت فيه هذه الشرائط، ولكن اثنان: أحدها حكيم، والثاني فيه الشرائط الباقية، كانا هما رئيسين في هذه المدينة. فإذا تفرقت هذه في جماعة، وكانت الحكمة في واحد، والثاني في واحد، والثالث في واحد، والرابع في واحد، والخامس في واحد، والسادس في واحد، وكانوا متلائمين، كانوا هم الرؤساء الأفاضل.
فمتى اتفق في وقت ما أن لم تكن الحكمة جزء الرياسة، وكانت فيها سائر الشرائط، بقيت المدينة الفاضلة بلا ملك، وكان الرئيس القائم بأمر هذه المدينة ليس بملك، وكانت المدينة تعرض للهلاك، فإن لم يتفق أن يوجد حكيم تضاف إليه، لم تلبث المدينة بعد مدة أن تهلك.

ضرورة الاجتماع

إذاً جميع هذه الصفات المكملة والمتممة لا يمكن للإنسان أن يبلغها وحده بانفراده، دون معاونة ناس كثيرين له، وأن فطرة كل إنسان أن يكون مرتبطًا فيما ينبغي أن يسعى له بإنسان أو أناس غيره، وكل إنسان من الناس بهذه الحال، وأنه لذلك يحتاج كل إنسان فيما له أن يبلغ من هذه الكمال إلى مجاورة ناس آخرين، واجتماعه معهم. ومن هنا كان الاجتماع ضرورة. حتى يستطيع أن يصل إلى هذه المبادىء العقلية والأفعال والملكات التي بها يسعى الإنسان نحو هذا الكمال، فيحصل من ذلك العلم الإنساني والعلم المدني.

ضرورة التعاون:

المدينة التي يقصد بالاجتماع فيها التعاون على الأشياء التي تنال بها السعادة في الحقيقة، هي المدينة الفاضلة. والاجتماع الذي به يتعاون على نيل السعادة، هو الاجتماع الفاضل. والأمة التي تتعاون مدنها كلها على ما تنال به السعادة، هي الأمة الفاضلة. وكذلك المعمورة الفاضلة، إنما تكون إذا كانت الأمم التي فيها تتعاون على بلوغ السعادة. والمدينة الفاضلة تشبه البدن التام الصحيح الذي تتعاون أعضاؤه كلها على تكتمل حياته وعلى حفظها عليه. وكما أن البدن أعضاؤه مختلفة مفاضلة الفطرة والقوى، وفيها عضو واحد رئيس وهو القلب. فكذلك المدينة أجزاؤها مختلفة الفطرة، مفاضلة الهيئات، وفيها إنسان هو رئيس، وآخر يقرب مراتبها من الرئيس.

أنواع المجتمعات

=========

المجتمعات الكاملة:

الجماعات الإنسانية، منها عظمى، ومنها وسطي، ومنها صغرى، والجماعةُ العظمى هي جماعة أمم كثيرة تجتمع وتتعاون. والوسطي هي الأمة. والصغرى هي التي تحوزها المدينة. وهذه الثلاثة، هي الجماعات الكاملة. فالمدينة هي أول مراتب الكمال.

المجتمعات الناقصة:

وأما الاجتماعات في القرى والمحال والسكك والبيوت، فهي الاجتماعات الناقصة. ومنها ما هو أنْقَص جدًا، وهو الاجتماع المنزلي، وهو جزء للاجتماع في السكة. والاجتماع في السكة هو جزء للاجتماع في المحلة. وهذا الاجتماع هو جزء للاجتماع المدني. والاجتماعات في المحال، والاجتماعات في القرى، كلتاهما لأجل المدينة. غيـر أن الفّرق بينهما أن المحال أجزاء للمدينة، والقرى خادمة للمدينة.

مراتب أهل المدينة في الرياسة والخدمة:

مراتب أهل المدينة في الرياسة والخدمة تتفاضل بحسب فطر أهلها، وبحسب الآداب التي تأدبوا بها. والرئيس هو الذي يرتب الطوائف، وكل إنسان من كل طائفة، في المرتبة التي هي يستحقها. وذلك إما مرتبة خدمة، وإما مرتبة رياسة. فتكون هناك مراتب تقرب مرتبته ومراتب تبعد عنها قليلاً، ومراتب تبعد عنها كثيـرًا، وارتباطها وائتلافها شبيهًا بارتباط الموجودات المختلفة بعضها ببعض وائتلافها.ومدبر تلك المدينة شبيهة السبب الأول الذي به وجود سائر الموجودات. ثم لا تزال مراتب الموجودات تنحط قليلاً، فيكون كل واحد منها رئيسًا ومرءوسًا إلى أن ينتهي إلى الموجودات الممكنة التي لا رياسة لها أصلاً بل هي خادمة.
عزيزي الزائر
أرجو أن يكون الموضوع قد نال رضاك
 ولكم كل التقدير والاحترام
وسلام الله عليكم جميعا
وسنتناول أيّ موضوع بأفكار ورؤى  جديدة
انتظرونا قريباً

== القادم أجمل ==

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق