الدستور وتصحيح الحياة الاجتماعية
![]() |
الدستور وتصحيح الحياة الاجتماعية |
مقــدمــــــة:
المكونات المختلفة للمجتمع يحدث بينها في واقع الأمر صراعات وتناقضات قومية ودينية ومذهبية وقبلية وعشائرية واجتماعية وسياسيه وثقافية، كل هذا يحدث من أجل تحقيق المصالح، وهذا في الحقيقة هو واقع الحياة الاجتماعية في الجتمعات المختلفة. ولهذا نجد أن علاقة
الدستور بالحياة الاجتماعية، تبدأ منذ لحظة القيام بصياغته، حيث يتم غالباً، تحديد المبادئ
الأساسية للمجتمع، والموجهات العامة لسياسات الدولة، ويتم تحديد وبيان شكل وطبيعة
الدولة، ويتم إقرار الحقوق الأساسية للأفراد وضماناتها، ويتم تحديد علاقة الدولة
بالمجتمع داخلياً وعلاقة الدولة بالمجتمع الدولي خارجياً، كل هذا وغيره تتضمنه
وثيقة الدستور. فالدستور هو الوثيقة التي تتضمن مجموعة القواعد القانونية الأساسية
باعتباره القانون الأسمى والأعلى بالدولة.
الدستور كقانون والـحـيـــاة الاجـتـمــــاعـيــــة
============
الدستور منظومة من القوانين لإرساء قواعد سلوك الدولة والمجتمع والفرد، فهو يمثل مجموعة من القوانين الأساسية والمبادئ العامة التي على أساسها تصاغ مجموعة العلاقات التي تنظم الآتي:
1) العلاقة بين الدولة أي السلطة الحاكمة، والمجتمع أي المحكومين.
2) العلاقات التفاعلية التي تحدث بين أفراد المجتمع.
3) علاقات الواجبات والحقوق المتبادلة داخل المجتمع.
4) تحديد رمز العلاقات بين السلكة والمجتمع.
هذه وغيرها من القوانين والمبادئ
العامة بمجملها تعبر عن محتوى الدستور الذي يصاغ بهدف تنظيم الحياة الاجتماعية.
ومع التجدد المستمر للحياة والتطور التاريخي للمجتمعات، تتجدد صياغات هذه
القوانين والمبادئ العامة، وبذلك تتطور الدساتير بتطور المجتمعات بهدف التصحيح
المستمر للحياة الاجتماعية، للمحافظة على السلم والسلام الاجتماعي. فيزداد الدستور
توسعاً وتعقيداً وشمولاً ملازماً للمنهج العام للتطور. وكنتيجة لارتباط الدستور
بعلاقة تطورية للمجتمعات، فقد مر بمراحل متعددة من التغير والتشكل الذي غطى معظم الجوانب
الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
لكل
دولة هنالك دستور و مبادئ و معايير و قيم أخلاقية سياسية و أحكام قانونية و مؤسسات
جماهيرية سياسية لا يجب أن تخلو منها دولة. وإن الدستور يعتبـر القانون الأساسي في
الدولة وهو القانون الأعلى والأسمى داخل المنظومة التشريعية، وهو التجسيد القانوني
للقيم المعنوية للمجتمع التي تقوم عليها الحضارة والمعاصرة. وبهذه الصفة فهو يعكس
الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والحضاري للمجتمع، الذي يتغيـر
باستمرار نتيجة ظروف داخلية أو خارجية.
كما
أن الأوضاع الاجتماعية، والحياة الاجتماعية الغير مستقرة والغير متوازنة والهشة
تخلق ظروفاً ذاتية وموضوعي ملائمة لظهور الحاجات الملحة إلى ضرورة البحث عن وسائل
مناسبة وفعالة لتحسين الحياة الاجتماعية . وبالتالي يحتاج الدستور للتعديل من
الحين للآخر استجابة لتلك التطورات والتغيـرات. ونتيجة لهذا التغييـر فقد أحيط
الدستور بكثيـر من الاهتمام سواء عند ميلاده أو تعديله أثناء حياته ليكون متطوراً
و متماشياً مع التطورات والمتغيـرات التي تحدث في الواقع الذي يلحق بالمجتمع. وبالتالي
يشترط لمشروعية التعديلات الدستورية أن تأتى استجابة لمتطلبات ضرورية ولازمه
لتحقيق المصلحة العامة للمجتمع سواء أكانت تلك الضرورات في صورة ضرورات قانونية أم
سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية، ولتحقيق المصلحة الشخصية أو الفردية لطالب التعديل
أو لشخص يهمه أمره، ولكن يشترط أن تبقى دائماً المصلحة العامة هي الغاية التي
ينشدها كل تعديل دستوري وليست المصلحة الشخصية أو الفردية لطالب التعديل الدستوري
ويجب أن تكون هناك قيود زمنية لتحقيق الاستقرار والثبات ولحماية الرأي العام
والدستور أو قيود موضوعية على سُلطة تعديل الدستور. ويقصد بالقيود الموضوعية حظر
تعديل بعض المبادىء والأحكام الواردة في الدستور، إما حظراً نهائياً أو حظراً
مُؤقتاً لمدةِ مُعينة. ويجب أن تخضع سلطة تعديل الدستور للرقابة للتأكد من مدى
التزام تلك السلطة بالقيود الموضوعية والشكلية المفروضة عليها عند الإقدام على تلك
التعديلات.
تصحيح الحياة الاجتماعية
وعلاقتها بالدستور تتضح في المقاصد العامة للدستور
============
إن تصحيح الحياة الاجتماعية وعلاقتها بالدستور تتضح
في المقاصد العامة للدستور وهى بشكل عام:
تحقيق
الأمن الإنساني لكلِ مواطن وتحديد نوعية هذا الأمن الإنساني، ويضمن الدستور
الاستقرار السياسي والاقتصادي للدولة، ويوفِر الدستور الإطار الملائم والمؤيد
والضامن لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة للمجتمع. فأهم مقاصد
الدستور بالنسبة للمواطن هي العيش والحرية والأمن والكرامة الإنسانية والعدالة
الاجتماعية. وبالنسبة للدولة الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وبالنسبة
للمجتمع أن يساهم الدستور في التنمية الاقتصادية الاجتماعية وتحقيق المساواة
والعدل الاجتماعي، لتحقيق السلام الاجتماعي والرفاهة للمجتمع.
الدساتير والنظام الاقتصادي
===============
الدساتير
لا تخلو عادة من مجموعة من القواعد الخاصة بالاقتصاد. ومع ذلك فإن الدساتير الحرة
تعالج المواضيع الاقتصادية على نحو غير قاطع بل وربما في أحيان أخرى بطريقة ضمنية،
حتى وإن ظل الاقتصاد في حاجة إلى إطار قانوني ودستوري. ويطلق الفقه على النصوص
الدستورية الخاصة بالمجال الاقتصادي "الدستور الاقتصادي". ومن المهم أن
يكرس الدستور مبدأ حرية النشاط الاقتصادي، وذلك بالاعتراف بحرية المبادرة الفردية،
والاعتراف بدور مهم للنشاط العام. مع التأكيد على خضوعها للتنظيم، من خلال القيود
الدستورية والتشريعية على حرية النشاط الاقتصادي. ويمكن أن يتضمن الدستور أيضًا
النص على دور الدولة في مراقبة النشاط الاقتصادي، بدور غير مباشر يتمثل في مجرد
رقابة النشاط الاقتصادي. وتدخل الدولة في الاقتصاد بشكل غير مباشر قد يتم من خلال
المؤسسات التقليدية التي تشكل جزءًا لا يتجزأ منها، أو من خلال الأجهزة المستقلة
غير التابعة لها. كما أن هذا التدخل يتم من خلال أساليب عديدة مثل التخطيط أو
المساعدة الاقتصادية للمشروعات.
الدستور وحماية الملكية: تحرص الدساتير على تأكيد حماية حق الملكية، وهذه الحماية تشمل الملكية الخاصة، والملكية العامة.
الدستور وتنظيم النشاط الإداري: يتضمن الدستور النصوص المنظمة للسلطات القائمة على وظائف الدولة من حيث إسناد السلطة فيها واختصاصاتها وتكوينها وغير ذلك من أمهات المواضيع المتعلقة بذلك. وينظم الدستور الوظيفة التنفيذية باعتبارها إحدى وظائف الدولة. والعمل الإداري، وجه من أوجه الوظيفة التنفيذية. ومن هنا تضمن الدستور بالضرورة نصوصاً تنظم النشاط الإداري.
فكرة تصحيح الحياة الاجتماعية وبناء الدولة العصرية المتطورة دائماً وعلاقتها بالدستور تنبع من الآتي
==================
الدستور
يمثل الخطوط الأساسية للتنظيم السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والحضاري
الذي ارتضاه الناس لأنفسهم، فالدستور إذاً هو إرادة العقل الجمعي، هو وثيقة
حضارية، هو فلسفة أو رؤية تعكس تصورات وأحلام السلام الاجتماعي والحضارة التي يريدها
الشعب لنفسه في الفتــرة الحالية وللأجيال المقبلة. إن تنظيم المجتمع في العصر
الحديث هو عمل الإرادة العامة، وأن كل سلطة مصدرها إرادة الشعب، والقانون هو إحدى
المؤسسات الجوهرية في حياة الإنسان الاجتماعية، من أجل ضمان العدالة بينهم، فهو يقرر
الحقوق والحريات والواجبات بين الأفراد بعضهم البعض والجماعات والدولة، وهو يعد
إحدى القوى التي تساعد على تحضر المجتمع الإنساني. وفى العصر الحديث ارتبط القانون
ارتباطا وثيقاً بفكرة وجود قوة ذات سيادة في كل دولة، بحيث تكون لهذه القوة سلطة
سن القوانين وإلغائها وفق إرادتها. وارتبط القانون بفكرة الأمن وتحقيق العدل،
والعدل والأمن قيمتان متلازمتان متكاملتان. والدستور هو أساس قوانين الدولة، وهو
أهم عقد اجتماعي بين الشعب والدولة بكافة سلطاتها، فهو أولاً يضع القواعد الحاكمة
للعلاقة بين المواطن والنظام السياسي، ومن ناحية ثانيه يحدد حقوق المواطنة و الواجبات
المتعلقة بها. ومن ناحية ثالثه يحدد اختصاصات السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية
والسلطة القضائية، وينظم العلاقات بين السلطات الثلاث، من خلال التوازن بين هذه
السلطات والرقابة المتبادلة بينهم.
ويحقق
الدستور الأهداف التي صنع وصيغ ووضع من أجلها، إذا نجح في بناء الثقة بين المواطن
ومؤسسات الدولة، من خلال المشاركة الحقيقية للشعب في إدارة شؤون البلاد، ومن خلال
توفير أدوات تمكِن الشعب عبر مؤسساته المختلفة من مسائلة الحكومة ومسائلة جميع
القائمين عل الشأن العام (رئيس الدولة/البرلمان/ والحكومة/ وجميع الجهاز الحكومي).
وكذلك إذا استطاع الدستور أن يعكس في مواده ونصوصه ومحتواه عامة طموحات ومطالب
وإرادة الشعب. وأن يحقق العدالة الاجتماعية في المجتمع. وإذا استطاع أن يحقق المصالحة
الوطنية والسلام الاجتماعي. وإذا استطاع أن يحقق التوازن والتكامل والمساواة في
الحقوق والواجبات. وإذا استطاع أن يحقق التوازن بين المؤسسات الدستورية. فالدستور
في حقيقته مشروع لبناء السلام وتحقيق الحلم المجتمعي.
وخلاصة القول: إذا
أستطاع أن يحقق دولة القانون على مبادئ سيادة الشعب وسيادة القانون.
الضمانات الموجودة بالدستور
التي لها
علاقة بالحياة الاجتماعية
والتي لها علاقة ببناء الدولة العصرية المتطورة دولة
سيادة القانون يجب أن يوفر الدستور الآتي
=================
أولاً: يجب أن يوفر الدستور من خلال نصوصه ومحتواه:
التوازن في توزيع الاختصاصات بين السلطات
الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) بحيث لا تطغى سلطة على أخرى مع ضمان الرقابة
المتبادلة، ومدى قدرة نصوص محتوى الدستور في تحقيق توزيع متوازن للصلاحيات والاختصاصات
بين مراكز السلطة في المجتمع، فإنه بهذا يرسخ قواعد الحكم الرشيد والدولة القانونية.
وذلك من خلال تحقيق عدد من المستويات أهمها:
1) بين
السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية. إن النصوص الدستورية تضفى
الشرعية على ممارسة السلطة وتكفل الحماية القانونية والرقابة على عمل السلطات. إن
المعنى السياسي لمبدأ الفصل بين السلطات هو عدم الجمع بين السلطات أو عدم تركيزها.
فلا يجوز لشخص أو هيئة أن تجمع في يدها سلطتين أو ثلاث تفادياً للاستبداد والتعسف
والطغيان. ويستلزم قيام كل سلطة بمراقبة السلطات الأخرى لوقفها عند الحدود المقررة
لها إذا اقتضى الأمر ذلك حتى لا تتجاوزها إلى الاعتداء على السلطات الأخرى. فالفصل
بين السلطات عامل محفز لخضوع الدولة للقانون، وهذا الفصل مبدأ عام أو حجر الزاوية
في الدولة الحديثة، حيث نجد أن النظامين البرلماني والرئاسي يعتمدان على مبدأ
أساسي هو الفصل بين السلطات الثلاث.
حيث
يعتمد النظام البرلماني على تعاون نسبى بين السلطات (الفصل الهيكلي فقط) أي فصل مع
التعاون. أما في النظام الرئاسي فيقوم على فصل مطلق جامد بين السلطات. وإذا كانت
الهيمنة للسلطة التشريعية وانبثقت منها هيئة تنفيذية كنا أمام النظام ألمجلسي. إن
مبدأ الفصل بين السلطات يتجلى أكثر في الفصل بين صلاحيات السلطة التشريعية وتلك
المخولة للسلطة التنفيذية، إذ تتميز السلطـة القضائية عادة بالاستقلال.
ولقد
رتب مبدأ الفصل بين السلطات آثاراً قانونية على هيكلية بناء كل من سلطتي التنفيذ
والتشريع. وكقاعدة عامة فإن هذا المبدأ لا يعنى بالضرورة الفصل الجامد بين السلطات
كما في النظام البرلماني الذي نجد في دستوره عدداً من الاختصاصات المتبادلة التي
تكفل تحقيق التعاون والرقابة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ضماناً لتقيد كل
منها بالحدود والضوابط التي أوردها الدستور وبما يضمن حسن تطبيق القواعد الدستورية.
2) العلاقة بين الحكومة المركزية في العاصمة والمحليات (المحافظات). وضرورة
بناء الثقة بين كافة مكونات المجتمع جغرافياً ووظيفياً وسياسياً، والتي من خلالها
يتم منح صلاحيات أكثر للمحليات.
كما أن اللامركزية هي تنظيم إداري يهدف إلى حكم الأكثرية من خلال عدم تركيز
السلطة بل توزيع السلطات المناسبة بين الأشخاص والمستويات الإدارية المختلفة كل
فيما يخصه وفيما يناسبه على مستوى الدولة في الأجهزة الإدارية.
اللامركزية تمنح مرونة أكثر في صنع القرارات ومواجهة المواقف المتغيرة
وبذلك نحصل على الكفاءة التنظيمية في أجهزة الدولة الإدارية. كما أن نظام
اللامركزية الإدارية بشكل عام هو أحد أساليب التنظيم الإداري، ويقصد به تعدد مصادر
النشاط الإداري في الدولة، ويتم على أساس توزيع اختصاصات الوظيفة الإدارية بين السلطة
المركزية وبين الهيئات الإدارية المتعددة، فيكون لكل منها استقلالية في مباشرة
اختصاصاتها الإدارية، وفى الإطار الذي تحدده السلطة المركزية، والذي يعرف بالرقابة
الإدارية.
واللامركزية تساعد وتنمى عملية خلق الكثير من القادة والكوادر المختلفة في
التخصصات المختلفة على مستوى الدولة، مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أنه لا توجد
مركزية مطلقة أو لامركزية مطلقة ولكن التوازن هو المطلوب. والحقيقة أن اللامركزية
هي المدخل الحقيقي للحكم الرشيد في إدارة الدولة، وللتنمية الشاملة والمستدامة
المنشودة للمجتمع.
3) تحقيق توزيع متوازن للصلاحيات والاختصاصات بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص
والمواطنين والمجتمع المدني مثل الجمعيات الأهلية، والنقابات المهنية، والنقابات
العمالية، بهدف تقوية القطاع الخاص و منظمات المجتمع المدني وإدخالهم جميعاً كشريك
أساسي في عملية صنع السياسات، من خلال ضمان مشاركتهم في وضع خطط التنمية، وتعبئة
الموارد المالية، والتنفيذ، ثم المتابعة والتقييم والمسائلة، وذلك بهدف أن تتحمل
الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والمواطنين مسؤولية التنمية الشاملة
والمستدامة، بالمشاركة بينهم وتحمل المسؤولية المجتمعية.
4) فالدساتير الحديثة بها نصوص تحدد أدوار المجتمع المدني والقطاع الخاص في
التنمية، وفى تقديم الخدمات مثل التعليم والصحة وغيرة، وكل هذا من خلالْ تطبيق
منظومة شاملة للإصلاح والتنمية الشاملة والمستدامة، ووضع برنامج متكامل للعمل السياسي
والاجتماعي والاقتصادي، مرتكزاً على الحقوق، ومقترناً بإصلاح إداري، ومستنداً إلى
مشاركة بين الأجهزة التنفيذية والمجتمع المدني، وتطلع الرؤية إلى تحقيق نمو تمتد
مكاسبه إلى الجميع، نمو هو نتاج عملية تنطلق من القاعدة إلى القمة، وينطلق من
تعزيز رأس المال البشرى من خلال تطبيق عدالة التوزيع.
ويبين في نصوصه
مدى مراعاة الدستور لمبادئ حقوق الإنسان والحريات العامة، ومدى تأثير ذلك على
التنمية السياسية، من خلال مراجعة تلك النصوص ومقارنتها بما يتوافق مع الشرعية
الدولية لحقوق الإنسان، إنها حقوق كافة الأفراد، بغض النظر عن الفروق الثقافية أو
غيرها من الفروق مثل الجنس والعرق واللون واللغة والأصل والوطن والعمر والطبقة
الاجتماعية، واحترام حقوق الآخرين، واحترام الكرامة الإنسانية، والمعتقدات السياسية
أو الدينية بالنسبة للحريات الأساسية والجوهرية. وتمتاز حقوق الإنسان بأنها عالمية
وثابتة وغير قابلة للتجزئة، ومترابطة مع بعضها البعض
ثانيا: أن يضمن الدستور الحقوق والحريات العامة دون الإحالة إلى القانون: بحيث لا يترك للسلطة التشريعية أمر تنظيم الحقوق بدون ضوابط وقيود، تمنعها من المساس بأصل الحق.
ثالثاً: يجب أن يحدد الدستور طريقة مساءلة القائمين على الشأن العام: سواء كان رئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو رئيس البرلمان أو أعضاؤه أو أعضاء الحكومة.
رابعاً: يجب أن يوفر الدستور التوازن بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: مثل الحق في العمل المناسب، وفى التعليم الجيد، والصحة، والسكن الجيد الملائم، وغيـره من هذه الحقوق، وكذلك الحقوق المدنية والسياسية مثل الحق في التعبير، والتظاهر السلمي، والتجمع، والمشاركة السياسية، وحق الانتخاب، وغيرة. وكلتا المجموعتين من الحقوق تكملان بعضها البعض. ويجب توفير الضمانات الدستورية لهما معاً دون تفريط في أي مجموعة أو حق من الحقوق.
خامساً: مدى قدرة الدستور على: أن يتعامل مع
المشاكل العصرية التي تواجه الدولة، ومدى مساهمته في تنظيم العلاقات الاجتماعية في
الدولة، وبحماية المصالح المرجحة خلال مراحل التطور الاجتماعي المتعاقبة، تحقيقاً
لضبط السلوك الاجتماعي في كل مناحيه، ووفقاً لفلسفة قانونية تسود في المجتمع خلال
كل مرحلة من مراحل التطور يعبر عنها ويرتكز على ذاتيتها الحضارية والثقافية.
سادساً: مدى الصراحة والوضوح الموجودة
في نصوص الدستور: تجاه أهداف العدالة الاجتماعية، وخاصة في التزام
الدولة بإزالة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين طبقات المجتمع، وتوفير الإنصاف،
والتوزيع العادل للثروة، وتحقيق العدالة القانونية، وبناء دولة المؤسسات والمواطنة
والقانون.
إن
كل الضمانات الدستورية التي يحتويها الدستور لكل ما سبق ذكره، ونجاحه في توزيع
للصلاحيات بين مراكز السلطة هو الذي يؤدى في النهاية إلى إقامة الحكم الرشيد بالدولة،
وإلى قيام دولة القانون التي بها مؤسسات قوية، وتؤدى إلى توسيع ومضاعفة أدوار بناء
السلام الاجتماعي، وحماية حقوق الإنسان وأمنه، والتنمية البشرية.
فلقد
أصبحت الدساتير الحديثة بمثابة الإطار العام أو المرجعية لتنظيم عمل الدولة
ومؤسساتها في نطاق هذه الدولة وحدودها، فيحدد ماهية حقوق وواجبات الأفراد، والسلطات
العامة في الدولة، ويحدد مهام واختصاصات السلطات الثلاث وتحديد علاقة تلك السلطات
مع بعضها البعض. وأصبحت الدساتير أدوات لإدارة الأزمات، وقادرة على المصالحات
الوطنية بالمجتمع، ومعالجة المظالم الغير مقبولة. فالدساتير
هي وسيله للوصول إلى سيرة ذاتية وطنيه وإلى رؤية مشتركة لقيام الدولة، وبناء
السلام الاجتماعي، والوصول إلى الحكم الرشيد ودولة القانون.
إن
قيمة أي دستور تقاس بما احتواه من مواد ونصوص، وبمدى التطبيق على أرض الواقع،
وبمدى قربة من تحقيق الدرجة والشروط التي طالب بها العهد الدولي الخاص بالحقوق
الحريات والضمانات التي تطبق في مجال حقوق الإنسان وإقامة العدل وصون الحقوق
الأساسية والحقوق والحريات العامة، وجميع الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية والمدنية والسياسية، بما يتفق والشرعية الدولية لحقوق الإنسان. وتحقيق
التنمية الشاملة والمستدامة للمجتمع والدولة، فلا تكفى الخطب والشعارات التي ترفع
وإنما مدى الالتزام بتطبيق محتوى الدستور في أرض الواقع على المستوى الفردي أو
الجماعي على قاعدة أن كل من هم بالدولة لهم حقوق وعليهم واجبات حفظها وكفلها
وضمنها الدستور للجميع دون تمييز.
إن
تحقيق الدستور لتصحيح مسيرة المجتمع بالريادة الفكرية والثقافية هو تجسيد لقوى المجتمع
الناعمة ونموذج عطاء بحرية المبدعين والمفكرين والجامعات ومجامعها العلمية
ومراكزها البحثية والصحافة والفنون والأدب والإعلام والدين والمحافظة على هوية
الوطن.
الدساتير
الحديثة تعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمواطنين، من خلال القيام بإصلاح سياسي
واسع المدى، ودعم السياسات العامة و وضع برنامج للتنمية الشاملة والمستدامة من
القاعدة للقمة، والتركيـز على مبدأ المواطنة ، وفتح الباب أمام تداول السلطة، وخلق
بيئة مواتية تبيح مشاركة المواطن وتفسح له المجال لخلق توافق مجتمعي حول العقد
الاجتماعي، ودعم التنمية البشرية، وتوسيع نطاق المشاركة المجتمعية في صنع القرار،
ودعم التنسيق بين الأجهزة الحكومية من ناحية، والتنسيق بينها وبين منظمات المجتمع
المدني وقطاع الأعمال الخاص من ناحية أخرى، وإعادة الثقة بين الدولة والمواطنين من
ناحية، وتمكين المجتمع المدني، وتخفيض ومكافحة الفقر من مدخل تنموي وحقوقي
بالمساهمة الفعالة ورؤى واضحة في كيفية الارتقاء بمستوى معيشة المواطنين وإعادة
صياغة علاقتهم بالدولة، وتحقيق المساواة في الحقوق والفرص بين جميع المواطنين،
ومشاركة كل الأطراف المعنية في وضع السياسات التنموية، ومتابعة التـزام كل طرف بالمسئولية
والواجب تجاه باقي الأطراف. بمعنى تكييف وضع الدولة في ضوء المُتغيرات السياسية
والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الجديدة.
كلمةختامية
======
إن الحضارة الإنسانية استقرت على مبادئ للدولة وللمواطنين رسمتها وصاغتها
في الدساتير الحديثة بمعايير واضحة وثابتة، من شأن تطبيقها أن يؤدى إلى الاستقرار
والتنمية والازدهار. وباعتبار أن العنصر الرئيسي في الدولة الحديثة هو الإنسان بما
لدية من عقل وعلم وفكر وخبره وإبداع وانطلاق وقدرة على الخلق والتجديد المتواصل.
ومن هنا فإن احترام حقوق الإنسان والحريات والكرامة الإنسانية وإنسانية الإنسان،
وثقة الإنسان بأنة يصنع مستقبلة ومستقبل وطنه بالتعاون مع الآخرين.
كل هذا يشكل ركناً أساسياً من أركان الدولة الحديثة. ومن مقومات الدولة
الحديثة أنها دولة المواطنة وسيادة القانون، والتي تعطى فيها الحقوق والواجبات على
أساس المواطنة، فلا يكون فيها تمييـز بين المواطنين بسبب الدين أو العرق أو اللغة
أو اللون أو الجنس. وهى أيضاً التي تضمن كفالة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية،
واحترام التعددية، والتداول السلمي للسلطة، وأن تستمد السلطة شرعيتها من اختيار
الشعب ، وتخضع للمحاسبة من قبل الشعب أو نوابه.
وباعتبار
أن الدستور تجسيد لإرادة الشعب، وحلم نحو حياة أفضل، ومشروع للسلام الاجتماعي،
ويحدد كيفية تنظيم الدولة وتسيير مؤسساتها، والمنظم للوفاق بين الحرية والسلطة
داخل المجتمع من ناحية. وبصفته
القانون الأساسي والأسمى في الدولة فهو مصدر كل النشاطات القانونية في الدولة من
ناحية أخرى، فإن محتواة ومضمونة يكفل ويضمن بكونه العقد الاجتماعي الذي ارتضاه
الجميع وبإرادتهم الحرة، تصحيح حياة المجتمع وبناء دولة عصرية حديثة.
تستخدم
الدساتير حول العالم ضمانات مثل قيود على السلطة الرئاسية كتحديد فتـرة الولاية
الرئاسية، وبنود مقيدة وواضحة فيما يخص إعلان حالة الطوارئ، وتتضمن الدساتير أيضاً
إرشادات واضحة لعمل التعديلات الدستورية كبنود و مبادئ دستورية راسخة وغير قابلة
للتعديل، وأغلبية تشريعية كبيرة لإقرار التعديلات، وبنود مفصلة وواضحة لعمل
الاستفتاء على الدستور.
كذلك من الضمانات تحتوى
الدساتير على المساءلة وآلياتها مثل ضمانات لانتخابات نزيهة تحت إشراف هيئة مستقلة،
وأيضاً مراجعة قضائية ودستورية على الأجهزة التشريعية والتنفيذية من خلال المبدأ
العام للمراجعة. ولكن ينبغي على الدستور أن يتضمن صيغة تحد من سلطة المحاكم كنوع
من الحماية ضد المحاكم المسيئة التي تعمل كأداة في يد الحاكم أو كمشرع بديل،
وأيضاُ رِقابة تشريعية على الميزانية من خلال الرقابة البرلمانية على الموازنة
وعلى نفقات الجهات التنفيذية.
ومن الضمانات أيضا وضع قيود على القوى المعارضة
لفلسفة وأيديولوجيا النظام السياسي بالدولة مع الأخذ في الاعتبار عدم جعل دور قوى
المعارضة ثانوياً أو تركه جانباً. ويجب توخى الحرص عند صياغة وتنفيذ تلك البنود،
وكل هذا كضمانات ضد تركيز السلطة وضد الديكتاتورية، كل هذا بهدف تحقيق حكم صالح
ورشيد بالدولة.
الدستور
هو قانون القوانين، ولذا فإن المشرع يكتب القانون لينفذ أوامر مواد ونصوص ومحتوى
الدستور، فإذا أنصلح حال الدستور وعبر عن إرادة شعبة بلغة واضحة لا لبس فيها كان
ذلك الضمان لكل طموحات شعبة، وكان الأساس لرسوخ وإقامة دولة القانون، التي تهدف
إلى تحقيق الكرامة الإنسانية، وإقامة العدل، وضمان الاستقرار الداخلي، وبناء
السلام الاجتماعي للأجيال الحالية وللأجيال القادمة.
عزيزي الزائر
أرجو أن يكون الموضوع قد نال رضاك
أرجو أن يكون الموضوع قد نال رضاك
ولكم كل التقدير
والاحترام
وسلام الله عليكم جميعا
وسنتناول
أيّ موضوع بأفكار ورؤى جديدة
انتظرونا قريباً
== القادم أجمل ==
الدستور وتصحيح الحياة الاجتماعية
Reviewed by ahwalaldoalwalmogtmat
on
10/04/2016
Rating:

ليست هناك تعليقات: