مضمون أو محتوى الدساتير
![]() |
مضمون أو محتوى الدساتير |
=======
الديباجة أو التوطئة أو التصدير أو واجهة أو مقدمة الدستور هذه تسميات تختلف من دولة لأخرى
===================
في
الدول الحديثة جرت العادة على تضمين مُقدمات الدساتير عدداً من المبادىء تُحدد
الأسس السياسية والاجتماعية للنظام الجديد، كما أن مُقدمات الدساتير تُعادل مرتبة
الوثيقة الدستورية التي وردت في صدرها. إن هذا الجزء من الدستور الذي يَسبق تسلسُل أحكام الدستور المنتظمة في إطار
أبواب وفصول ومواد مُتعاقبة، والذي يسمى في الغالبْ بالمُقدمة.
لقد احتوت مُعظم دساتير العالم على مقدمة أو ديباجة أو تصدير تُمهد لِمتُونِها، وتحتل
المقدمة صدر الوثائِق الدستورية وبدايتها قبل سرد موادها المختلفة، وهى مُقدمة
وواجهة وتمهيدْ ومدخَل تعريفي لمتن الدستور، تصف الأهداف المبادىء والأحكام الهامة
في الدستور. والتي تكون على شكل سرد أو فقرات يجب أن تكون مُصاغة بصورة دقيقة وحسنة
وبأسلوب حسن وتُمهد لما يأتي بعدها، فالمُقدمة أو الديباجة أو التوطئة أو التصدير هي
وثيقة تتضمن الإعلان عن مبادئ أو حقوق أو توجهات عامة، والفلسفة السياسية التي
يقوم عليها نظام الحكم، ويختلف محتوى المُقدمات من دستور لآخر حسب أوضاع كل بلد
وخاصة الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وبتعبيرِ آخر:
=========
الديباجة أو مقدمة الدستور هي مقدمة تعريفية تصف الأهداف والمبادئ والأحكام والقواعد الهامة في الدستور والتي قد تكون على شكل سرد أو على شكل فقرات. وبعض فقهاء القانون الدستوري يرى أن الديباجة ملزمة وواجبة التطبيق، مادامت هي جزء من الدستور، وبعض آخر يرى أن ينظر لها بطريقة أخرى فيقولون أن فقرات الديباجة إذا كانت تتضمن أحكام موضوعية وقواعد منهجية فهي ملزمة شأنها شأن باقي مواد الدستور، أما إذا كانت فقرات الديباجة توجيهية أي هي قواعد غير موضوعية وتعبر فقط عن ضمير الجماعة فإنها غير ملزمة قانوناً لكنها ملزمة سياسياً حيث تُلزم المشرع بإصدار تشريعات تهدف إلى وضع ما جاء في الديباجة موضع التنفيذ. وتتضمن المُقدمة الإشارة إلى منابع الدستور المبادىء الأساسية التي يحرص عليها
المجتمع والفلسفة التي تُحدد صورة المذهب السياسي والاجتماعي في الدولة، وبصفة
خاصة ما يحرص علية الشعب من حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية
والاقتصادية ويتمسك بها.
الديباجة أو المقدمة عادة ما تكون قصيرة أو متوسطة ونادراً ما تكون طويلة،
ولها نفس القيمة الدستورية باعتبارها جزء لا يتجزأ من الدستور، وهى متصلة به وهى
مُدمجة في ما سمي بمجموع النصوص التي تتم على ضوئها مراقبة دستورية القوانين. وفائدة الديباجة أنها تسلط الضوء على أهداف وأولويات الدستور وقد تفيد في تفسير بعض الأحكام الواردة فيه.
ومعنى هذا:
=========
أن القوانين التي تكون مُخالفة للمبادئ الواردة في المُقدمة أو
التوطئة تعتبر غير مطابقة للدستور وغيـر متلائمة معه، وللمُقدمة نفس القيمة والقوة
القانونية لأحكام الدستور فهي مُلزمة تعادل قوة النصوص الدستورية الأُخرى التي
تتضمنها، وواجبة التطبيق والاحترام من جانب كل من المشرع العادي والقُضاة
والمواطنين طالما أنها نافذة في الدولة، و للمُقدمة من الناحية السياسية أهمية
كبيرة لأنها تتضمن الفلسفة السياسية لنظام الحُكم المبادىء العامة التي يرتكز عليها.
ومادام الدستور بمُجملةِ (ديباجه ومتن) يشتمل في ثناياه على قواعد وأحكام
قانونية وسياسية ومجتمعية، فإنه يتمتع كله بقيمة قانونية وسياسية سامية، حيثُ
تستظِل القواعد أو المبادىء السياسية في ظل القواعد القانونية التي مَنحت الدستور
سمواً على بقية قوانين الدولة، الذي يشكل معيار سلامة تطبيق نصوصها الذي لا يمكن
تجاوزه لأي سبب كان.
ويجب أن تتضمن مقدمة أي دستور مباديء أساسية تُشير إلى طبيعة الدولة من
حيثُ شكلها، ونظام الحُكم فيها، ومدى التزامها باحترام وترقية الكرامة الإنسانية
وحقوق الإنسان وحرياته وواجباته، مع توضيح حاكمية الدستور ومصادر التشريع، وما
يتصل بالمواطنة والجنسية ولغة الدولة الرسمية وشعاراتها الوطنية.
وأن تتضمن المُوجهات العامة المبادىء الهاديَة والأساسيًة للحُكم والدولة،
للاهتداء بها عند وضع السياسات والقوانين، ولا بد أن تُحدد الموجهًات الخاصة
بالاقتصاد الوطني وتوجيهه للغايات القصوى، مع الإشارة لواجب الدولة نحو إقرار السياسات
التي تهدُف إلى التنميَة المُستدامة الشامِلة، والمُوجِهَات السياسية الخارجية
والعلاقات مع الدول بُغية التكامل السياسي والاقتصادي، فالمقدمُة تُمثِل مُجمَل
الأحكام المبادىء التي تعكس ثوابت شعب معين والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، إن
المُقدمة تُعلن عن مشروع مجتمعي يجب تحقيقه، هذا بجانب ما ذكر عالية في نفس هذا
الموضوع في مقدمة الدساتير.
أهم ما تحتوي أو تتضمن مقدمة الدستور
أو الأسباب الموجبة للدستور
==========
أهم ما تحتوي أو تتضمن مقدمة أو ديباجة أو توطئة أو تصدير الدستور (أحكام عامة، نظام الحكم، النظام الاجتماعي)، من حيث
المُحتوى القانوني والسياسي والمجتمعي لديباجة ومُقدمة الدستور، ذلك المحتوى الذي
لابد له من أن يتميـز بصياغة دقيقة وموجزة وواضحة، لكي يكون مدخلاً قانونياً
وسياسياً رصيناً للدستور:
1) شكلياً:
تتضمن مقدمة الدستور أهم المبادىء الأساسية التي يسعى النظام السياسي إلى
تطبيقها، بُغية تحقيقْ أهدافه المُتنوعة وفق الفلسفة التي يعتمدها.
2) موضوعياً:
تتضمن المُقدمة مجموعة المبادىء الأساسية والأهداف الآنية والمستقبلية
والفلسفة المُعتمدة للنظام السياسي ومُختلف القواعد القانونية والسياسية
والمُجتمعية التي تؤكد عليها السُلطة التأسيسية عند صياغتها للدستور.
3) كأصل عام:
تنشأ الدولة بنشوء أفكار جديدة تقوم عليها وتتحول السلطات فيها بتحول هذه الأفكار، حيث أن سلطة الدولة تكون بهدف رعاية مصالح مواطنيها والإشراف على تسييرها. ولذلك كانت النظرة إلى الحياة هي الأساس الذي تقوم عليه الدولة، وهي الأساس الذي يوجد عليه السلطة، إلا أن النظرة إلى الحياة إنما توجدها فكرة معينة عن الحياة، فتكون هذه الفكرة المعينة عن الحياة هي أساس الدولة وهي أساس السلطة فيها، ولما كانت الفكرة المعينة عن الحياة تتمثل في مجموعة من المفاهيم والمقاييس والقناعات، كانت هذه المجموعة من المفاهيم والمقاييس والقناعات هي التي تعتبر أساساً، والسلطة إنما ترعى شؤون الناس وتشرف على تسيير مصالحهم بحسب هذه المجموعة؛ ولذلك كان الأساس مجموعة من الأفكار وليس فكرة واحدة، وهذه المجموعة من الأفكار قد أوجدت بمجموعها النظرة إلى الحياة. ومن هنا عرفت الدولة بأنها كيان تنفيذي لمجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات التي تتقبلها مجموعة من الناس، وتقوم عليها الدولة، وتكون فلسفتها.
ولهذا فإن أهم ما تتضمنه الديباجة بصورة جُزئية أو كُلية مواضيع مثل: تحديد
الفلسفة التي يعتمدها النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي وأهدافه المستقبلية
والنص عليها صراحة أو ضمناً، وتحديد شكل وأسلوب نظام الحُكم، وتحديد أهم أهداف
النظام السياسي الآتية والمستقبلية في مختلف الميادين التي يسعى النظام السياسي
إلى تحقيقها، وبيان أهم مبادئ المجتمع الأساسية، والتأكيد على وحدة الدولة،
والتأكيد على الوحدة الوطنية رغم التنوع القومي والديني والثقافي، وبيان الاهتمام
بحقوق الإنسان وحرياته، والتعبيـر عن الالتـزام بالمبادئ الأساسية للقانون الدولي،
وبيان الأسباب المُوجِبَة لصدور الدستور.
أساليب وطرق صياغة مقدمة الدستور
===========================
لقد تنوعت أساليب وطرق صياغة مُقدمة أو ديباجة أو توطئة الدستور، هذه
الأساليب يمكن اعتمادها في الصياغة من قِبل السُلطة الواضعة للدستور ونذكُر منها
الآتي إجمالاً:
1 –
اعتماد أسلوب الصياغة على شكل مواد.
2 –
اعتماد أسلوب الصياغة باستخدام الترقيم بالأرقام رقماً وكتابة أو بالأحرف.
3 – اعتماد
الأسلوب الإنشائي المطوَل أو الموجَز في الصياغة.
4 – اعتماد
أسلوب يجمع بين أسلوبين أو أكثر في الصياغة.
مما تقدم نستخلص حقيقةً مفادها:
=============
أنة لا يمكن القول بوجود ثوابت معينة لما يمكن أن تتضمنه
مقدمة الدستور، فقد يُسرِف واضع الدستور في تحميلها المبادىء وشعارات قد تكون صعبة
التحقُق مِثالية الأبعاد، وقد يكون مُقتصداً واضحاً مُحدداً يميلُ إلى الدقة في
تقديمه لما قـنـنــــه من نصوصِ دستورية.
ويبدأ الدستور بالمُقدمة أو الفاتحة أو المدخل أو التمهيد أو الديباجة أو
التوطئة أو التصدير، وذلك حسب التسميات المختلفة باختلاف الدول، فالأصل في
الدساتير هو احتوائها على ديباجة وقد احتوت معظم دساتير العالم عليها، فهي تمهيد
لمتون الدساتير، وهى الجزء الأول من الوثيقة الدستورية.
مفهوم مضمون أو محتوى الدساتير
===========
بشكل عام يمكن تحديد فئات أو أنواع من الأحكام التي تتضمنها الدساتير عادة:
=====================
أولاً:
القواعد أو أحكام تتعلق بتنظيم وإجراءات سير المؤسسات الدستورية (تشريعية وتنفيذية
وقضائية) في الدولة. وهذه تشكل صلب أو لب الدستور.
ثانياً: أحكام تتضمن إعلاناً للحقوق والحُريات. إن معظم دساتير العالم
تتضمنها أو تفرد نصوصاُ تتعلق بحقوق وحريات المواطن، إما بوثيقة خاصة لها قيمة
دستورية. أو في مقدمة الدستور. وإما تخصيص فصل أو باب كاملاً لهذه الحقوق والحريات
والواجبات العامة. وهذه الأحكام تعبر في الحقيقة عن دور الدولة في المجتمع، أو
الفلسفة السياسية لنظام الحكم في الدولة. وهي التي يسميها الفقه الفرنسي بالدستور
الاجتماعي.
ثالثاً: أحكام تتعلق بمبادئ النظام الاقتصادي الاجتماعي في الدولة. وبعض
الدساتير تنص على جملة منها. وخاصة في الدول الحديثة، فهي مذهبها في هذا الشأن. وقد
ينص عليها في مقدمة الدستور، أو ترد في صلب الدستور. وفي الحقيقة هي نوعاً من
الأحكام أو القواعد التوجيهية أو برامج سياسية أو اجتماعية للحكم، فهي غير محددة،
ويصعب تطبيقها، وإنما تدلل على أنها أهداف وضعت بهدف تحقيقها، فهي التزام سياسي أو
أدبي.
رابعاً: مجموعة أحكام مُتفرقة ومُختلفة مثل اسم الدولة أو عاصمتها أو دينها
أو لُغتها... وغيره. والمشرع الدستوري وضعها بهدف إعطائها قيمة دستورية.
وبشكل توضيحي أكثر:
================
عادة نجد في الساتير القواعد التي توضح وتكرس شرعية السلطة العامة في الدولة، التي مصدرها يأتي من الشعب صاحب السيادة، والحكام يمارسون السلطة بتفويض منه، باعتبارهم ممثليه الشرعيين المعبرين عن إرادته. وأيضاً القواعد التي تتعلق بطبيعة الدولة، وطبيعة نظام الحكم فيها، كشكل الدولة (بسيطة/مركبة)، ونوع الحكومة (حكم جمهوري/ملكي/رئاسي/برلماني/إلى غير ذلك). وكذلك يحتوي الدستور القواعد المتعلقة بتنظيم السلطة وتنظيم العلاقات بين السلطات، وهنا يتم تحديد القواعد التي يخضع لها الحكام، كمبدأ الفصل بين السلطات ومى المرونة والجمود في هذا المبدأ، ويتم تحديد أيضاً شكل الحكم وطبيعة البرلمان. وكذلك يتضمن الدستور قواعد أو أحكام أخري، كتحديد خلفية أيديولوجية يقوم عليها الدستور والتي تضع وتوضح ثوابت المجتمع في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وأيضاً القواعد التي تقر وتضمن الحريات والحقوق مثل إعلانات حقوق الإنسان والمواطن، وينص عليها عادة في بداية الدستور. وأيضاً يتضمن الدستور ويحتوي قواعد وأحكام مختلفة وتختلف من دستور لآخر كالرقابة على دستورية القوانين وكيفية تنظيمها، وقد يحتوي الدستور على أحكام انتقالية أيضاً.
كما أن محتوى وموضوع الدستور يدور غالباً مع السلطة وحولها ولتنظيم المسائل
المتعلقة بها ابتداء من وجودها واستمرارا لممارستها وانتقالها. وهو أداة توفيق بين
الحرية والسلطة وأن هاتين المسألتين هما جوهر ومحل وجود الدستور كقانون متميز عن
غيرة من القوانين.
إن
الفلسفة التي حكمت معظم دساتير دول العالم تقتضى أن مواد الدستور يجب أن تتسق مع
بعضها البعض لتَبنى معاً كياناً متكاملاً له فلسفة ورؤية تعكس روح وحضارة وتصور
الأُمة لِنفسها في مرحلة تاريخية معينة وتُعبر بصدق وشفافية عن العقل الجمعي لها.
وفى
معظم دول العالم يتباين محتوى الوثائق الدستورية بما تضمنه من مبادئ وأحكام، ولكن
بالرغم من هذا التباين والاختلاف فهناك قواعد مشتركة تتضمنها وتشكل النواة الصلبة
للدستور.
وباعتبار
الدستور يمثل قمة الهرم القانوني في الدولة، فإن هذا القانون (الدستور) يرتبط
ارتباطا وثيقاً بالبيئة التي يوجد فيها، من حيث ظروفها السياسية والاجتماعية
والاقتصادية والثقافية والحضارية والتاريخية. وهذه
العلاقة تجعله أكثـر أنواع أو فروع القوانين تأثراً بمثل هذه الظروف، باعتباره
القانون الذي ينظم السلطة أو السلطات العامة، والعلاقات فيما بينها، وبين الأفراد. هـذه
العلاقة التي تكون أكثر عرضةً وتأثُراً بالحوادث والتطورات السياسيَة والتاريخية
المحيطة، فدستور دولة ما يعتبر نتاجاً لتطورها ونموها السياسي والاجتماعي
والتاريخي.
وباعتبار
الدستور الأب أو المصدر الأعلى لسائر القواعد والقوانين والأنظمة الإدارية
والقانونية الموجودة في الدولة. وهذا
معناه أن سلامة القوانين والقرارات ومدى ملاءمتها واحترامها في داخل المجتمع تعتمد
أساساً على مدى قوة وصلابة وملاءمة الدستور ذاته وما يشتمل عليه من ضمانات وأنظمة.
كما
إن الدستور يعد الانعكاس الحقيقي للفلسفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية
السائدة في الدولة، لهذا فإن قواعده تتسم بقابليتها للتغيــر من دولة لأخرى. بل
وفى نفس الدولة من فترة زمنية إلى فترة زمنية أخرى تبعاً للفلسفة السائدة في كل
فترة، ولهذه الأسباب يجب على القائمون على وضع الدستور مراعاة هذه الظروف في الحسبان
حتى تكون نصوص الدستور مرآةً حقيقية للواقع القائم فعلاً، حتى يكون هناك ارتباط
حقيقي بين النظرية والتطبيق، فيحدث السلام الاجتماعي والبناء الحقيقي داخل الدولة.
تبويب وثيقة الدستور
================
إن
محتوى الدستور وبنائـه الداخلي انطلاقا من المعالم والسمات الرئيسية التي تشترك
فيها أغلب دساتير العالم، نجدها تقريباً قد انتهجت في تبويب وثيقة الدستور أحد
أسلوبين:
الأسلوب
الأول: يتجسد في صياغة وثيقة الدستور على نحو يضمنها مقدمة وديباجة تتصدر أحكامها
وتمهد لها كما تحتوى قواعد تجسد صلب ومتن الدستور.
الأسلوب
الثاني: يتجسد في صياغة وثيقة الدستور بشكل لا يتضمن التمهيد لأحكامها حيث لا
تحتوى وثيقة الدستور على المقدمة أو الديباجة وإنما يقتصر بناؤها الداخلي على
قواعد تمثل صلب ومتن الوثيقة الدستورية.
معظم
دساتير العالم يجرى تبويب محتوى صلب ومتن الدستور إلى أقسام أو أبواب وكذلك إلى
فصول أو مواد تحتوي المبادىء الأساسية للدولة وتتركز في الجانب السياسي إلى الجانب
المتعلق بممارسة السلطة وكذلك الجوانب الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ...
وغيره.
فالدستور
هو تعبير عن الأيديولوجية قبل أن يكون تنظيماً للسلطة والحرية، فالفكر المذهبي
الذي يدين به الدستور يؤثر أبلغ الأثر فيما يضعه من تنظيم للسلطة وتنظيم للحرية،
وقد يبلغ تأثير الأيديولوجية في الدستور في كثير من الأحيان حداً يغدو معه من المستحيل
تفسير نصوص الدستور بغيـر الرجوع إلى الأيديولوجية التي صدر في ظلها.
وبمعنى آخر:الدستور هو
القانون الأساسي الذي يبين شكل الدولة، ونظام الحكم فيها، وينظم السلطات العامة،
من حيث تكوينها، واختصاصاتها، وعلاقاتها ببعضها البعض، ويقرر حقوق وحريات وواجبات
الأفراد، ويضع الضمانات الأساسية لهذه الحقوق والحريات. فمعظم الدساتير مقسمه إلى
عدد من الأبواب والفصول ويحتوى الفصل على عدد من المواد. وتنص أغلب الدساتير على
مجموعة من المبادىء الأساسية التي تنظم سلطات الدولة وتحدد اختصاصات السلطات
الثلاث، وينظم الدستور شكل وطبيعة العلاقة بين هذه السلطات من خلال تحقيق التوازن
بين هذه السلطات، وكذلك الرقابة المتبادلة من ناحية ثالثه.
ويمكن تحديد محـتـوى صلـب ومتـن الدستـورفي أبـواب الدسـتور التي هي الهيكـل العام للدسـتــور وتحتوى على الآتي
===========
المقومات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للدولة
================
تنص
الكثيــر من الدساتير الحديثة على جملة من المبادىء الاقتصادية والاجتماعية
والفكرية، وذلك بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية، والتأمين ضد المرض والفقر والعجز
عن العمل، والتخلص من البطالة، وتهيئة فرص العمل اللائق للأفراد. وتمثل الحقوق
والحريات ذات المضمون الاقتصادي والاجتماعي الجيل الثاني من قائمة الحقوق والحريات
التي نصت عليها المواثيق والإعلانات والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. ومن
هنا قدمت الكثير من الدساتير الحديثة الضمانات لهذه الحقوق بما يتفق مع المواثيق
والعهود الدولية وأحاطتها بالكثير من الرعاية.
وكون
الدساتير الحديثة في معظمها أصبحت تتضمن وتكفل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فهذا
يشكل ظاهرة حديثة نسبياً، وخاصة في الدولة الحديثة،
التي تعمل على تحديد مذهبها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي من خلال دستورها. كما
أن الكثير من الدساتير الحديثة دساتير تفصيلية، وقد أصبحت تنص على مواضيع أخرى
خارجة عن الإطار السياسي، وترتبط بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والفكرية. هذه
النصوص في باب درج على تسميته بالأسس. وتنحصر الأسس الدستورية بالأسس الاقتصادية
والاجتماعية والفكرية. بمعنى القيم الأساسية المتفق عليها من قبل المجتمع. وبصورة
أكثر تفصيلاً هي: الثوابت والمرتكزات ذات المواضيع الاقتصادية في الدولة أي نمط
الاقتصاد المتبع.
وهذه
المواضيع الاقتصادية مثل: إلى
من تؤول ملكية الثروات الطبيعية، وكيفية إدارتها، وكيفية تقسيم هذه الثــروات،
وشكل النظام الاقتصادي السائِد في الدولة فيما إذا كان اقتصاد حر أم غير ذلك،
وتوضيح أهداف النظام الاقتصادي من حيث تحقيق التنمية المستدامة والعدالة
الاجتماعية والرخاء الاجتماعي لكل أفراد المجتمع، وكذلك الموقف من الملكية الخاصة بالأفراد وضمانات حمايتها،
وتشجيع الادخار وضمان الحماية له ... وغيــرة من الأمثلة.
أما
المقومات الاجتماعية: فنعنى بها القيم الاجتماعية العليا محل التوافق، أي الثوابت
والمرتكزات ذات المواضيع الاجتماعية في كل دولة، ونذكر منها على سبيل المثال
كاحترام الحرية، والمساواة الاجتماعية أي عدم التمييز لأي سبب. والعدالة
الاجتماعية وهى إحدى تجليات المواطنة التي لا تفرق بين إقليم وآخر أو بين شرائح
اجتماعية وأخرى، وحماية الأسرة والطفولة من الانحراف والضمانات القانونية
والدستورية لحماية كيانها، وتحقيق الرخاء ورفع مستويات المعيشة وتكافؤ الفرص أمام
الجميع، والنص على مراعاة قواعد الآداب العامة فيما تصدر من تصرفات حكومية أو
تشريعية، وتحقيق الرفاهية الاجتماعية وجعلها هدفاً وراء عمل السُلطات والتشريعات.
وأما
مقومات الهوية الثقافية للمجتمع بمصادرها المختلفة سواءٌ دينية أو ثقافية بالمعنى
الواسع: فتعني أن الأسس الفكرية هي الثوابت والمرتكزات ذات المضمون الفكري، مثل:
حق التعليم ومدى توافر الضمانات التي تكفل مجانيته للجميع ومدى جودة المستوى
التعليمي المكفول دستورياً لكل الشرائح الاجتماعية، وضمانات حماية حقوق الاختراع
والتأليف، وضمانات حماية الآثار التاريخية والمحافظة عليها من كل الأخطار التي
تلحق بها.
إن
الحماية الدستورية للأسس الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: تبين طبيعة ومدى نشاط
هيئات الدولة المختلفة، في سبيل تحقيق الفكرة القانونية التي على أساسها جاءً
الدستور، أن هذه الفكرة تشمل كلاً من التنظيم السياسي والنشاطات الاجتماعية
والاقتصادية والفكرية.
القواعد المتعلقة بالدولة
========
تتضمن
معظم الدساتير في العالم على عدد من النصوص والمواضيع الأساسية التي تتصل بالدولة،
التي يحدد فيها الثوابت والمرتكزات في عدة مواد تركز على المواضيع العامة والهامة
التي يتبناها الدستور، وتشكل النواة الصلبة له.
كما
أن الدولة كظاهرة، فإنها تحتاج إلى جهد إنساني لبنائها وتشكيلها، ويتم في الدساتير
توضيح ذلك، من خلال عدد من النصوص التي تتصل بالدولة، والتي توضح أساس الدولة
وخصائصها والسيادة وممارستها، ودور الدولة، والانتماء أو الهوية، وعلم الدولة،
ونشيدها الوطني، وشعار الدولة، وتكوينها، وطبيعة الدولة أي شكلها ما إذا كانت دولة
موحدة بسيطة تتركز السلطة فيها في يد حكومة مركزية.
فبالنسبة
إلى الدولة الموحدة، تمارس السيادة كاملة بدون تجزئة على كل أراضيها (تشريعاً
وتنفيذاً وقضاءً). أما الدولة المركبة الاتحادية فإنها لامركزية (فيدرالية)، إن
هذا الشكل من الدول، يتكون من دويلات أو أقاليم أو ولايات تتقاسم السلطة القومية
والثروة مع تلك الدويلات أو الأقاليم أو الولايات، وقد تبيح لها حقاً لإصدار
دساتير خاصة. أما في الدولة المركبة تتنوع السلطات بين حكومة مركزية وحكومات أخرى
في أجزاء الدولة. ويوجد شكل آخر للدولة هو الدولة التعاهدية أو الكونفدرالية، و
هذا الإتحاد ألتعاهدي يكون بين دول متعددة، إلا أنة لا يمس سيادة الدول المتعاهدة
إنما هو تعاهد لتحقيق المصالح المشتركة بين الدول على المستوى الدولي.
القواعد المتعلقة بشؤون الحكم في الدولة
====================
نظام الحكم أو شكل الحكومة (النظام السياسي)، تتضمن وثيقة الدستور بيان
الأحكام والقواعد المنظمة لشئون الحكم، وتبين شكل الحكم (ملكياً أم جمهورياً)،
وطبيعة نظام الحكم السياسي (مركزية السلطة أم اللامركزية للسُلطة).
وتشير قواعد الدستور إلى طرق تكوين السلطات العامة واختصاصاتها وحدود
ممارستها لهذه السلطات، فيبين الدستور شكل النظام السياسي (نظام الحكم) من خلال
تغطيته لعدد من المحاور، لتوضيح شكل نظام الحكم من حيث هو نظام برلماني أم رئاسي
أم مختلط أي يجمع بين ملامح النوعين من الأنظمة.
كذلك تتضمن القواعد المتعلقة بشئون الحكم في الدولة السلطات الثلاث التشريعية
والتنفيذية والقضائية، من حيث الهيكل والتركيب والاختصاصات والعلاقة بين هذه السلطات
الثلاث، وكيف تتعاون معاً وتراقب بعضها البعض، وأيضاً مدى علاقة السلطة المركزية
بالمحليات. بمعنى هل يتم الأخذ بالدولة الموحدة أم يتم الأخذ بنظام لا مركزي يوزع
الصلاحيات بين السلطة المركزية في العاصمة والمحافظات مع الحفاظ على وحدة الدولة.
القواعد المتعلقة بشؤون الحكم في الأنظمة المختلفة:
============================
في النظام البرلماني: لا
يتمتع فيه الرئيس أو الملك بصلاحيات واسعة بل يعد منصب شرفي (رئاسة رمزية للدولة)،
والحكومة المنتخبة من قبل البرلمان هي السلطة التنفيذية التي تدير البلاد وهى
مسئولة لدية مسؤولية تضامنية وخاضعة في بقائها على ثقته. وفى النظام البرلماني
تكون السلطة التشريعية إما لمجلس أو مجلسين، وتشارك فيه رئاسة الدولة شكلياً
بالمصادقة على التشريعات، وأيضاً في النظام البرلماني تكون السلطة القضائية مستقلة
بحكم القانون ورئيس السلطة القضائية يكون عضواً في مجلس الوزراء.
في النظام الرئاسي: يتمتع
فيه الرئيس أو الملك بصلاحيات حقيقية مميـزة وواسعة وتكون ولايته لمدى زمني محدود
ولا يتم التمديد له إلا لفترة أو فتـرات تحدد في الدستور، وهو الذي يختار الحكومة
مساعدةً له، أي يختار معاونيه في الوزارات المختلفة وله حق فصلهم في أي وقت، ويجب
ألا يكونوا أعضاءً في البرلمان. أما السلطة التشريعية فقد تكون لمجلس أو مجلسين
ويشارك فيها رئيس الدولة. وأما السلطة القضائية فتكون لمحاكم يشكلها البرلمان ويعين
رئيس الدولة رئيس القضاء والقضاة، وهم غيـر قابلين للفصل أو العزل ورواتبهم غير
قابلة للنقص طيلة مدة خدمتهم لضمان استقلال القضاء.
وقد يكون شكل نظام الحكم يتبع النظام شبة الرئاسي: ويسمى أيضاً بالنظام المختلط يجمع بين النظامين
السابقين، فيأخذ ببعض مبادئ النظام الرئاسي وبعض مبادئ النظام البرلماني.
أو قد يكون شكل نظام الحكم هو النظام النيابي ألمجلسي: وفية تتفوق السلطة التشريعية دستورياً على السلطة
التنفيذية التي تسمى المجلس الفيدرالي، لأن الجمعية الفيدرالية هي البرلمان لمدى
زمني محدد، ويختار فيه من بين أعضاء هذا المجلس رئيس الدولة لمدة عام، إلا أن
الرئيس ليس له سلطات الرئيس في النظم البرلمانية أو في النظام الرئاسي من حيث سلطة
حل الجمعية الفيدرالية (البرلمان) إنما وضعة شرفي ورمزي للدولة، وتقوم الجمعية
الفيدرالية بانتخاب قضاة المحكمة الفيدرالية التي يكون لها استقلال تام وصلاحيات
دستورية.
الدستور والسلطات العامة بالدولة
======================
السلطة التشريعية: هي الهيئة التي تقوم بالمصادقة على العاهدات والاتفاقات الدولية، ولها سلطة سن القوانين والتشريعات والأنظمة واللوائح التي تنظم كافة مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية بالدولة، بهدف تحقيق الصالح العام. والدستور هو الذي ينظم السلطة التشريعية، ويبين تشكيل البرلمان (مجلس واحد أم مجلسين)، وكيف تجرى عملية اختيار أعضائه (بالانتخاب أم بالتعيين)، ويحدد أيضاً وظائفه في المجال التشريعي والمالي والرقابي.
السلطة التنفيذية: هي الهيئة الحكومية المسئولة عن تنفيذ السياسات والقواعد التي يضعها المجلس التشريعي، وتقوم بإدارة أعمال الدولة من توجيه وتنسيق ومتابعه أعمال الوزارات والهيئات العامة وإعداد مشروع الموازنة العامة للدولة والخطة العامة للدولة. والدستور هو الذي ينظم السلطة التنفيذية، فيبين تكوينها واختصاصاتها وحدود تلك الاختصاصات والمسؤوليات، ويحدد طريقة تولية رئيس الدولة (الانتخابات أم الوراثة) ويحدد اختصاصاته، ويحدد الدستور تكوين الحكومة واختصاصاتها.
وينظم الدستور عادة: العلاقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، للمحافظة على الحياة السياسية والدستورية للدولة حتى تستطيع الدولة قيامها بأداء وظائفها بطريقة سليمة وبيسر وسهولة.
السلطة القضائية: هي السلطة الحكومية المسئولة عن التفسير الرسمي للقوانين التي يسنها المجلس التشريعي وتنفذها السلطة التنفيذية. ويلعب القضاء دوراً مهماً في الرقابة القضائية على دستورية القوانين وتفسير نصوصها التشريعية، وتتولى السلطة القضائية أمر المحاكم وتصدر أحكامها وفقاً لقانون الدولة، وتتشكل السلطة القضائية من المحاكم على اختلاف أنواعها. وللقضاة القرار الأخير فيما يتعلق بتفسير بنود الدستور المختلفة، ويقومون بفض النزاعات التي تنشأ بين السلطة التنفيذية مع السلطة التشريعية. والدستور ينظم السلطة القضائية في فصلِ مستقل، إبرازاً لدورها كحصن للحقوق وملجأ للمواطنين، وضماناً لحماية القواعد الدستورية في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية. ويسمح الدستور في بعض الدول أن يتم التعيين للقضاة مدى الحياة، ليتمكنوا من تطبيق القانون دون الخضوع لأي ضغوط سياسية، وذلك للمحافظة على استقلالية القضاء.
القواعد المتعلقة بالفكرة القانونية المؤسسة للحكم في الدولة
======================
إن
بعض الدساتير توضح وتصف صراحة كيفية بيان الفكرة القانونية الغالبة في المجتمع
السياسي الذي جاء الدستور لوصف نظامه، فتصف هذه الدساتير وتبين الأيدولوجيا التي
تقوم عليها فكرة القانون في الدولة فتحدد آلية الحكم، وتحدد هدفاً للسلطات العامة،
وتحدد الفكرة القانونية التي تسعى هذه السلطات لتحقيقها.
ومن
هنا فإن النصوص الدستورية التي تحدد الاتجاهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية
في الدولة تبين الأساس الفكري أو الفلسفي الذي تأسس عليه نظام الحكم في الدولة،
وترسم الإطار الذي ينبغي أن تعمل في نطاقه السلطات العامة في الدولة.
إن
هذه الفكرة القانونية يطلق عليها تسمية الأيدولوجيا التي تتعلق بأهم المجالات في
حياة مجتمع الدولة والتي تشمل التنظيم السياسي، والنشاط الاجتماعي، والاقتصادي،
والثقافي.
وأهمية
الأيدولوجيا ودورها في إقامة وتوجيه فكرة القانون في الدولة، وبالتالي توجيه نشاط
السلطة وتنظيمه، وهي المهمة الأساسية للدستور لتنظيم المجتمع وتحديد أهداف معينة
يسعى إلى تحقيقها، وتتكون الوسائل الطبيعية ألمعروفه لخلق اتجاه معين من التنظيم
في المجتمع عن طريق القوانين التي تتعلق بنواحي الحياة كافة وتشملها بالتنظيم، وإن
ما يسير القوانين كافة لتحقيق أهدافها ويوجهها هو الدستور.
الحقوق والحريات العامة وأيضاً واجبات المواطن
=============
تعتبــر
حقوق الإنسان هي جوهر النظام الدستوري في الدولة العصرية الحديثة، فهي التي تحدد
العلاقات بين الأفراد والجماعات والدولة، وتتغلغل في هياكل الدولة وعمليات صنع
القرار والرقابة، وتبدأ العلاقة بين حقوق الإنسان والقيم الدستورية المعبرة عن أيديولوجية
النظام السياسي مع عملية وضع الدستور والعمل به.
والدساتير
تحتوى أو تتضمن أو يتم فيها تحديد مجموعة من الحقوق والحريات المكفولة للمواطن
والتي يتمتع بها أفراد المجتمع داخل الدولة، وواجبات الدولة لضمان هذه الحقوق،
وأيضاً واجبات المواطن تجاه المجتمع والدولة، فضلاً عن الإشارة إلى احترام الحقوق
والحريات الواردة في المواثيق والإعلانات الدولية العالمية.
أن الدساتير الحديثة تركز على أبعاد من أهمها:
============
1) البعد
المؤسسي والإجرائي في عملية وضع الدساتير الذي يتمثل في تنظيم الدولة وأجهزتها.
2) البعد
المتعلق بوضع الأفراد والجماعات ورفاهتهم. ولهذا انتقلت ضمانات حماية حقوق الإنسان
إلى لب القانون الدستوري. وأصبحت
عمليات إصلاح الدولة في المجالات الاقتصادية أو الأمنية أو السياسية تسترشد
بالاعتبارات القائمة على الحقوق.
3) تتضمن
الدساتير المعاصرة على مواثيق الحقوق التي تحدد الوضع القانوني للفرد في مواجهة
الدولة والمجتمع، مما يعنى أن معايير حقوق الإنسان وضماناتها تقع في قلب دستور
الدولة.
تتضمن الحقوق والحريات مجموعتين أساسيتين
=======
المجموعة الأولى: الحقوق المدنية والسياسية
==========
1) الحقوق
المدنية: هذه المجموعة من الحقوق كانت تُعتبــر سابقاً حقوقاً سلبية، بمعنى أنه
يكفى أن تَمتنع الحكومة عن انتهاك الحقوق المدنية والسياسية. وفى العصر الحديث
الآن أصبحت هذه الحقوق حقوقاً إيجابية. بمعنى
أنة يجب على الدولة الحديثة اتخاذ التدابير الضرورية التي تَحمى وتُحافظ على هذه
المجموعة من الحقوق. والتي
كانت تسمى سابقاً بالحقوق الفردية التي يزاولها الفرد بهدف تحقيق مصالحة الخاصة
ودون ارتباط مع الآخرين، وأطلق عليها كذلك الحقوق المدنية وهو مصطلح يعنى الحريات
والحقوق التي يتمتع بها الفرد بصفته مواطناً.
وفى
الدساتير الحديثة تسمى بالحقوق والحريات العامة على أساس أنها تضمن امتيازا
للأفراد في مواجهة السلطات العامة، وتضمن المساواة دون تمييز أو تفرقة بين
المواطنين. فالحقوق يمنحها ويحميها القانون بطرق قانونية وترتبط فكرة الحق بفكرة
الحرية ارتباطا وثيقاً لأن ذلك الحق يسمح للفرد بالوصول إلى حالة متميزة في حدود
رعاية حقوق الآخرين.
والحريات
هي الرخصة التي تبيح ممارسة الحق، وحدودها أنها تقف عند حرية الآخرين، هذه الحقوق
والحريات العامة مثل: الحق في الحياة والحق في حرمة الحياة الخاصة. وعلى الحكومة
أن تتخذ السياسات والتدابير التي تؤدى إلى ضمان كافة الظروف التي تهيئ للمواطن
الاستمرار في الحياة وتضمن هذه الحقوق.
2) الحقوق
السياسية: تعكس هذه الحقوق النزعة الطبيعية للبشر للتوحد والعمل الجماعي من أجل تحقيق
غايات عديدة، والحق في المشاركة السياسية سواء عبر التصويت أو الترشيح، والحق في
التظاهر السلمي، وحرية الفكر والوجدان والدين، وحرية التعبير وحرية الرأي، وحرية
الاجتماع، وحق إدارة شئون الدولة، وتقلد الوظائف العامة، وذلك لتنظيم إجراءات
الحياة السياسية، وممارسة العمل السياسي حتى يهيئ للشعب فرص يستطيع عن طريقها أن يشارك
في إدارة دفة البلاد، وانتخاب من يراه صالحاً لتمثيله في المجالس النيابية
والتشريعية، وتقييم عمل السلطة التنفيذية من خلال الانتخابات الدورية، وحرية
الاشتراك في الجمعيات والمؤسسات وإنشائها وتكوين الأحزاب السياسية، وتمتد هذه
الحقوق إلى جميع ميادين الحياة.
الحقوق
السياسية تمثل حلقة الاتصال بين الشعوب والسلطة السياسية، وتعتبر وسائل قانونية
لممارسة التنافس على هذه السلطة وتعبير عن سيادة الشعب. وتلتزم
الدولة طبقاً لهذه الحقوق بالسماح للمواطنين بإبداء الرأي والتعبير عن الأفكار
وتداول المعلومات بحرية ودون تدخل الدولة أو الأطراف الأخرى إلا في الحالات
المنصوص عليها.
هذه
الحقوق تتضمن وتحتوى على التزامات وحقوق عديدة للدولة وللمواطنين، حيث يضمن حق
الانتخاب في انتخابات حرة نزيهة ودورية وحق الترشيح في تلك الانتخابات، بالإضافة
إلى حق تقلد المناصب العامة في الدولة. إنه مع احتـرام وتوافر هذه الحقوق نكون قد
وصلنا إلى بيئة صالحة قد تأكدت فيها الحقوق والحريات مما يسمح بتداول السلطة بين
القوى السياسية المختلفة، وإتاحة الفرصة لقوى المعارضة أن تمارس أعمالها السياسية
في حرية كاملة.
فالحقوق
السياسية هي الحقوق التي خولها القانون لكل فرد في ارتباطه مع الآخرين، وبالتالي
فهي تتعدى حقوق الفرد لتتصل بحقوق الجماعة، كحُرية تأسيس الجمعيات والمؤسسات
وتأسيس الأحزاب والنقابات، والمشاركة فيها والانتماء إليها، والمشاركة الحقيقية في
الحياة السياسية، بالاشتراك في الانتخابات والاستفتاءات المتنوعة وحق الترشيح
للهيئات والمجالس المنتخبة.
3) الحقوق المتعلقة بشخصية الإنسان: جميع الحقوق المتعلقة بكيان الإنسان وحياته وما يتفرع عنها مثل: الحق في
الحياة، والحق في الكرامة، والحق في الخصوصية، والحق في الأمن، والحق في التنقل،
والحق في حرمة المسكن، والحق في سرية المراسلات.
حدود الحقوق والحريات العامة: تسود عدة ضوابط لهذه الحقوق والحريات، فقد يحرم الفرد من أداء رأيه إذا كان
هذا الفعل يؤدى إلى الإضرار وإثارة الفتنة التي تؤدى إلى تقويض الحياة الاجتماعية،
كما لا يسمح بعمل يلحق الضرر بالصحة العامة، أو يهدد الأمن والرفاهية والأخلاق في المجتمع،
أو انتهاك حقوق الآخرين.
المجموعة الثانية: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
============
هذه المجموعة من الحقوق هدفها ضمان حياة كريمة للمواطن وأن تحتـرم آدميته
كإنسان. هذه الحقوق كانت سابقاً تعتبر هي فقط الحقوق الإيجابية، والإيجابية تعنى
أن المواطن لا يستطيع التمتع بهذه الحقوق إلا إذا قامت الحكومة باتخاذ تدابير
معينة تكفل للمواطنين التمتع بهذه المجموعة من الحقوق، بمعنى تطبيق سياسات معينة،
وتوفير موارد مالية وبشرية لذلك، مثل: الحق في التعليم، والحق في السكن، والحق في
الصحة، والحق في الغذاء.
وأضيف إليها الآن الحق في بنية أساسيه مثل : المياه الصالحة للشرب والصرف
الصحي الآمن، وقد اتجهت الدساتير الحديثة إلى التوسع في ذكر تفاصيل الحقوق الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية، وكذلك الالتزامات التي على الدولة كي تتم كفالة هذه الحقوق.
وهذه المجموعة من الحقوق نوضحها في الآتي:
الحقوق الخاصة بفكر الإنسان هي: الحقوق التي يغلب عليها الطابع الفكري والعقلي للإنسان مثل: الحق في حرية العقيدة والعبادة، والحق في حرية الرأي، والحق في حرية التعليم، والحق في حرية الاجتماع، والحق في حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها.
الحقوق المتصلة بنشاط الإنسان هي: التي تتضمن الحقوق التي تتصل بنشاط الفرد وعملة وسعيه للحصول على ما يحقق له الحياة الكريمة مثل الحق في العمل، والحق في الملكية، والحق في حرية النشاط التجاري والصناعي، وغيرة من أوجه النشاط.
هذه الحقوق سالفة الذكر تفرض نوعين من الالتزامات تقع على عاتق الدولة تجاه الفرد هي:
1) الالتزامات السلبية: وتمثل في مجرد امتناع سلطات الدولة عن عمل، وعدم التعرض
للأفراد في نشاطهم المادي والمعنوي.
2) الالتزامات الإيجابية: فهي التي تفرض على عاتق سلطات الدولة التزاما بعمل،
أي بأن تنشط لتقدم للأفراد منافع مادية ومعنوية.
ومن ثم كان من أهم الفوارق من الناحية الدستورية بين الالتزامات السلبية والإيجابية،
إن غاية المطلوب من سلطات الدولة في مجال الالتزامات السلبية هو أن تقف عند حدها،
فإذا تدخلت كان تدخلها محدوداً بالضرورة، صيانة لمكانة المواطنين الآخرين.
وعلى العكس من ذلك فغاية المطلوب من سلطات الدولة في مجال الالتزامات
الإيجابية هو أن تعاون وتعمل، وكلما وسعت الدولة في عونها ارتفع المستوى الاجتماعي
العام، وخفت وطأة العوز والحرمان وعمت الرفاهية. فالأحكام الدستورية الخاصة بالحقوق
والتي تفرض التزامات سلبية تصاغ بحيث تحقق حماية الفرد من احتمال تعسف السلطات
الحاكمة، بينما الأحكام الدستورية الخاصة بالحقوق والتي تفرض التزامات إيجابية تصاغ
بحيث تحقق معاونة السلطات الحاكمة للفرد في سبيل إسعاده.
فإذا نص الدستور في باب الحقوق على أن للمسكن حرمة فهذا يفيد أنة ليست للسلطات
الحاكمة شأن فيما يجرى في المساكن وليس لها أن تقتحم على الأفراد مساكنهم إلا
للضرورة القصوى وبسبب معلوم، وبإذن من القضاء، والكمال هنا هو أن تقف السلطات موقفاً
سلبياً.
أما إذا نص الدستور في باب الحقوق أو الالتزامات الإيجابية، بأن تكفل
الدولة للمواطن السكن والغذاء والكساء والعلاج والتعليم، فهذا يفيد بأنة من حق
المواطن أن يطالب السلطات بالقيام بعمل إيجابي إلى أقصى حد ممكن.
التزامات وواجبات المواطن تجاه الدولة والمجتمع
=========================
الدساتير
تنظم علاقة الفرد تجاه الآخرين وتجاه المجتمع، انطلاقا من فكرة إيجاد التوازن
السليم بين مصالح الفرد ومصالح الآخرين، بالمتطلبات المعقولة للمجتمع الذي ينتمي
إلية، والذي يتمكن فيه من تنمية ذاته روحياً وعقلياً وجسمانا. فالفرد له حقوق وفى
المقابل علية واجبات يلتزم بها تجاه حقوق الآخرين، ويحددها القوانين العادلة لدولة
القانون.
إنه لمن أبرز واجبات الفرد تجاه الدولة والمجتمع هي:
==================
1) واجب الامتثال للقانون: إنه
من الواجبات الأساسية للفرد أن يمتثل للقانون ويراعى الواجبات الأمنية الدستورية،
حتى يكون مواطناً صالحاً تجاه الدولة وتجاه المجتمع. فالمواطنة الصالحة تتمثل في
الالتزام والخضوع، والامتثال للأحكام الواردة في القوانين العادلة والصالحة
التنظيمية للمجتمع، التي تحمى كل فرد دون تمييز، وتكفل رفاهية المجتمع الصادرة عن
السلطة المختصة في الدولة بما يحقق الصالح العام والمشترك للجماعة، وبما يحقق سيادة
القانون واحترام حقوق الإنسان، طبقاً لدستور يضمن مبادئ العدالة والمساواة ويكفل
الحقوق والحريات.
2) واجب الممارسة الصحيحة للحقوق السياسية: إن النصوص الدستورية التي تنظم الحقوق السياسية كحق
الترشيح وحق الانتخاب، فإنها تضع حجر الأساس في حكم الدولة، ويقابل هذه الحقوق
واجب أساسي من واجبات المواطنة الصالحة، المتمثل في المشاركة في الحياة السياسية بالترشيح
والتصويت في انتخابات شفافة حرة نزيهة ودورية، وتتم بالاقتراع العام المتعادل السري
وتضمن للناخبين التعبير الحر عن إرادتهم، التي تحدد مصير المجتمع وتؤدى لإصلاح
نظام الحكم واحترام حقوق الإنسان، وهنا وجب على الفرد الإسهام بدورة والمشاركة في
تقرير مصير مجتمعة من خلال صوته الانتخابي أو من خلال الترشيح.
3) واجبات أداء التكاليف العامة: إن بعض دساتير الدول تتضمن في تنظيمها لواجبات الفرد
تجاه الدولة والمجتمع، نصوصاً تقرر وتحدد واجبات الفرد في أداء التكاليف العامة،
المتمثلة عموماً في مجالين:
الأول:
واجبات أداء الأعباء العسكرية، كواجب وطني على كل فرد لحماية الوطن والدفاع عنة،
طبقاً لمبدأ المساواة العامة والشخصية أمام الأعباء العسكرية، وأن تتساوى مدة أداء
الخدمة العسكرية لجميع أفراد المجتمع كقاعدة عامة.
الثاني:
واجب أداء الأعباء ذات الطبيعة المالية، مثل الضرائب والرسوم وغيرة من الأعباء
المالية، إن أهم مصادر الأعباء المالية هو مسألة فرض الضرائب على المكلفين بها،
بطريقة عادلة ومشروعة وقانونية، والتطبيق على الجميع حسب القدرة المالية لكل شريحة
اجتماعية، وعلى جميع الممتلكات المالية الموجودة بالدولة.
كما
أن بعض الدساتير الحديثة قد اهتمت بحقوق شرائح معينة في المجتمع، لأنها تحتاج إلى
الاهتمام والخصوصية في الرعاية نذكر منها على سبيل المثال رعاية المسنين، وأصحاب
الاحتياجات الخاصة، والأسرة..الخ. فإن هذه الفئات وغيرها تحتاج إلى الرعاية
وضمانات الدولة لهم حتى يستطيعوا الحصول على حقوقهم تحت رعاية الدولة التي تكفُل
هذه الحقوق.
مما سبق نستخلص:
============
أن
الدستور تتفرع عنة منظومة متكاملة من القوانين والتشريعات الخاصة بالحقوق
والواجبات التي يترتب عليها التزامات لكلا الطرفين وهما الدولة والمواطن. فالولاء
والانتماء للدولة يقابله جدلية الحقوق والواجبات ومدى الالتزام المتبادل بين
الدولة والمواطن. فالحقوق التي يتمتع بها المواطن هي بالضرورة واجبات ملزمة تقع
على عاتق الدولة ومسؤولية تنفيذها.
ومن
هنا فإن قياس أداء الدولة ومدى كفاءتِها يعتمد على ما تقدمة من حقوق لمواطنيها،
وكما أن للمواطن حقوق فعلية واجبات أيضاً، تمكن الدولة من القيام بمسؤولياتها، هذا
هو الأساس الذي تبنى به المجتمعات ويتحقق تماسكها واستقرارها والدافع الرئيسي لتقدمها.
الـبـاب الختامي
=======
وأخيـراً
يحتوى الدستور على بعض النصوص الإجرائية الخاصة بطرق تعديل الدستور، حيث يتناول
هذا الباب القواعد المتعلقة بالأحكام العامة والانتقالية، ففي معظم دساتير العالم
نجد آخر ما تتناوله في الغالب، هو بعض القواعد التي تشتمل على الأحكام العامة التي
لم ينص عليها فيما سبق من بنود الدستور. حيث يرسم الدستور كيفية تعديله والجهات
المخولة بمباشرة هذا التعديل. ومن هذه الأحكام يمكن التعرف على طبيعة الدستور من
حيث إذا كان هذا الدستور جامداً أم مرناً. وكما يتناول الدستور في هذا الباب،
الأحكام الانتقالية التي ترتِب المرحلة، ما بين صدوره ونفاذه والسلطات التي تتولى
إلى حين هذا النفاذ أمر الإشراف على مرحلة زمنية محددة.
عزيزي الزائر
أرجو أن يكون الموضوع قد نال رضاك
أرجو أن يكون الموضوع قد نال رضاك
ولكم كل التقدير
والاحترام
وسلام الله عليكم جميعا
وسنتناول
أيّ موضوع بأفكار ورؤى جديدة
انتظرونا قريباً
== القادم أجمل ==
مضمون أو محتوى الدساتير
Reviewed by ahwalaldoalwalmogtmat
on
10/04/2016
Rating:

ليست هناك تعليقات: