Top Ad unit 728 × 90

News

recent

النظريات الاجتماعية أو السوسيولوجية التي تفسر أصل نشأة الدولة

      النظريات الاجتماعية أو السوسيولوجية التي تفسر أصل نشأة الدولة

أ) نظرية التغلب والقوة لنشأة الدولة  ب) نظرية التطور التاريخي أو الطبيعي للدولة

النظريات الاجتماعية أو السوسيولوجية

التي تفسر أصل نشأة الدولة


أ) نظرية التغلب والقوة:

لقد أخذت ثلاثة اتجاهات نظرية هي:

1) نظرية ابن خلدون

2) النظرية الماركسية

3) نظرية التضامن الاجتماعي

*******


ب) نظرية التطور التاريخي أو الطبيعي للدولة

وترى هذه النظرية أن الدولة قد مرت في تطورها بالمراحل الآتية:

1) المجتمعات البدائية

                  2) الدول والإمبراطوريات القديمة

                                            3) دول القرون الوسطيةالدولة القومية الحديثة

     *************

      أ) نظرية التغلب والقوة:

       لقد أخذت ثلاثة اتجاهات نظرية هي:

          1) نظرية ابن خلدون

        2) النظرية الماركسية

      3) نظرية التضامن الاجتماعي

أولاً تحليل منطق نظام أو قيام الدولة:

إن التحولات التي لحقت هياكل المجتمعات البشرية، أو عملية الاجتماع البشري، على طول تاريخ البشرية، لتستحق أن يتم التفكير في طبيعتها، لتحليل منطق نظام الدولة، وبمعنى أدق منطق قيام الدولة. من خلال نظرة تحليلية لفكرة الدولة في تاريخ المجتمعات.
ومن خلال مراجعة النظريات التي تفسر أصل نشأة الدولة، نتناول هنا نظرية القوه والغلبة التي نادى بِها العديد مِن الفلاسفة، ويستنِد أصحاب هذهِ النظرية في تبريرِها إلى الشواهِد التاريخية والتي تُشير في مواقِع عديدة إلى أن السلطة لا تكون إلا للأقوى بدنياً أو مادياً أو فكريا. وأنهُ مِن الناحية الواقعية فإن الأقوياء دائِماً يحكمون، بمعنى أن الطرف الأقوى في المُجتمَع هو الذي يحكُم، كما أن المُجتمع نشأ نتيجَة خضوع الضعيف للأقوى وسواء أكان ذلِك عن رغبَه أو رهبَه، وكما يصِح ذلِك على الأفراد فإنه يَصِح على الجماعات والممالِك والإمبراطوريات.

القوة والصراع:

ولقد كانت القوَه ومازالَت في جميع المُجتمعات الإنسانية، تُعطى الامتياز والشرَف والهيبة والترف. والصِراع مِن أجل الحصول على هذا الامتياز يشكِل العامِل الأساسي في حركِة التاريخ.

ولقد ظهر اتجاهان للصِراع:

 فنجِد الاتجاه الأول:
أُفقي يحدُث بين إنسان وإنسان أو بين جماعَه وأخرى أو بين طبقَه وطبقةٍ أخرى وكُل هذا الصراع يَحدُث مِن أجل الحصول على القوَه.
وأما الاتجاه الثاني:
 فهو رأسي يكون مُعارِضاً أو مُضاداً للقوَه كصراع المواطنين معَ الحكومة.
ولقَد استخدمت كلِمَة القوَه قيما يتعلَق بالأشياء الجامدة، فهي شكل مِن أشكال الطاقة أو القوَه المتاحة للاستخدام.

فالقوَه في العلوم الفيزيقية:

القوة تعنى خاصيَة القدرة على إحداث أثرٍ ما، أو للإشارة إلى الخاصية الفعالة، أو ما يُميز أحد الأعشاب.

وأما في مجال العلوم الاجتماعية وعِلم السياسة:

 فلقَد استخدمت كلِمَة القوَه بمعاني مختلفة عبرَ التاريخ وتداخَلَت مفاهيم كثيرة مع مفهوم القوَه، فضلاً عن الخلط بينها وغيرِها مِن المفاهيم مِثل السلطة والنفوذ والقهر والجبر والإكراه.
وتُعتبَر القوَه موضوع عِلم السياسة، ولهذا نجِد ماكس فيبر في الفترة مِن عام 1864 حتى عام 1925 قد عرفَ السياسة بأنها مُحاولَة اقتسام القوَه ، أو مُحاولَة التأثير في توزيع القوَه سواءٌ بين الدول أو بين الجماعات أو داخِل الدولة.

معاني مفهوم القوة:

فيدُل مفهوم القوَه على عِدَة معاني حيثُ يُشير إلى قُدرة فرد أو جماعَه على التأثير وضبط سلوك الآخرين حتى لو لم يوافِقوا على ذلِك. ويُشير أيضاً إلى المشاركة في عمليَة اتخاذ القرارات. وكذلِك تُعرَف القوَه على أنها القدرة التي تُمكِن مِن السيطرة على الناس ومِن الضغط عليهِم ورِقابتهم للحصول على طاعتِهِم والتدخُل في حُريتِهِم وتوجيه جهودِهِم إلى نواحي مُعينَه، وهى القدرة على فرض الإرادة وحمل الناس على تحقيق رغبةٍ ما أو تنفيذ سياسةٍ معينة.
وهو نِظام فرضهُ صاحِب القوَه الأكبَر على فئة مغلوبَةٌ على أمرِها بطريق العُنف بُغيَة تحقيق غايات وقيَم سواء كان ذلِك عن رِضا واقتناع أم جبراً وقسراً.
والقوَه ظاهِرَه عامَه ومنتشرة في شتى المُجتمعات الإنسانية وقاسِماً مُشتركاً بين مُختلَف القِطاعات النظامية وغير النظامية في كافَة المُجتمعات.

الدولة ونظرية القوة:

وهذهِ النظرية ترى أن الدولة مصدرُها الأول القوَه والصِراع بين الجماعات البدائية. فالدولة طِبقاً لِنظريَة القوَه لا تعدو أن تكون في الواقِع نِظاماً فرضَهُ شخصٌ أو أشخاص بطريق العُنف على باقي الأفراد لِحملِهِم على الخضوع لهم واحترامهم.
وتفترض هذه النظرية أنَ الدولة تقوم على أساس حق الأقـوى، وأنَ القوه خاصة طبيعية مِن خصائص الدولة ويجبُ الحِفاظ عليها والانطلاق مِن خلالِها، وأن الدولة خُلِقتْ مِن العُدوان، وأن طبيعة الصراع الجماعي ينجُم عنهُ فئة مسيطرة وفِئةٍ حاكِمَه. ولِكُلِ هذا نجد أنَ سُلطة الدولة تعتمدُ على الغلبة والقوه إلى جانِب الحنكة والدهاء التي يتمتعُ بها الحكام.

السلطة في التنظيمات الاجتماعية:

وغالباً ارتبط ظهور السلطة في التنظيمات الاجتماعية المختلفة مثل العائلة والقبيلة والقرية والمدينة، بالتفوق الجسدي والمادي والحنكة والدهاء التي تُمكنْ جماعه مِن الانتصار على جماعة أخرى، فالجماعات الأولية كانت تعيشُ في صِراعٍ مُستمِر مع بعضها البعض حتى ينتصر البعض على الآخر، والمُنتصِر يفرضَ إرادتهِ على المهزوم فيتولى بذلِك الأمر والنهى في الجماعة ويكون بمثابة السلطة الحاكمة ويمُد سُلطانهِ على إقليم مُعين فوجدت الدولة مكتملة الأركان.

الدولة وظاهرة القوة والغلبة:

فهذهِ النظرية تُرجِعْ أصل نشأة الدولة إلى واقِعَةْ التغلُبْ والقانون الطبيعي يعنى البقاء للأقوى. إن النظريات التي تُفسِر الدولة بأنها ظاهِرة قوة وغلبة، وجوهر الدولة يكمُن في الإكراه الذي يظهر بأشكال مختلفة، هذهِ النظريات تُركِز جميعُها على فِكره أساسيه، وهى أن السلطة السياسية تعبر، قبل كُل شيء، عن ظاهِرة القوه والغلبة والإكراه، وتكون دائِماً في حوزِة من يستطيع فرضْ سيطرتهِ على الآخرين، بالقوة والغلبة والقهر والإلزام، التي هي أساس نشوء المُجتمعات القديمة والحديثة على السواء، لأن حل الصراعات التي تقوم داخِل المُجتمعات، يتطلب وجود سُلطه قادرة على فرض النِظام، وإجبار الناس على طاعتها.
ويرى أصحاب هذه النظرية أن الدولة كانت عبارة عن نِظام اجتماعي مُعيَن، فرضهُ فريقٌ مُعين أو شخص على بقيَة أفراد الجماعة، مِن خلال استخدام القوه والغلبة في الحروب الصراعات، فتتشكل الدول.

إن نظريَة القوَه استخدمت لتحقيق أهداف مُعينَه مِنها الآتي:

يتفاوت حظوظ الناس مِن القوَه، فالحياة الأولى التي عايشها الإنسان خضع الأضعف للأقوى، أو لإخضاع الأقوى للأضعَف، وكان هذا النوع مِن القوه لا يعرِف حدوداً يقف عندها أو ضوابِط يراعيها.
وفي العصور الوسطي استخدمها رجال الكنيسة ليُثبِتوا تفوق الكنيسة على الدولة، وليؤكدوا عمليَة تفوق السلطة الكنسية على السلطة الدنيوية المتمثلة في السلطة السياسية.
كما استغلها أصحاب النظرية الفردية في سعيهم لإثبات أن الأقوياء لهم الحق في السيطرة وحكم الضعفاء.
ولقد استخدمها أصحاب النظرية الشيوعية لتبرير أن السلطة السياسية الرأسمالية والاقتصادية، كانت تستغِل قوة العمَل للطبقات الفقيرة والمحرومة، وينتُج هذا بسبب سوء استعمال القوة.
هذا وتتغير الأسس التي تقوم عليها القوة مِن عصر إلى عصر، ومِن جيل إلى جيل. فظروف الحياة تفرِض على الناس السعي دائِماً إلى التفوق، وتفرِض على مَن يُقدر لهُ مِنهُم أن يُمارِس القوة، أن يصرِف جُل همه وتفكيره إلى ذلِك النوع مِن التفوق الذي يَصِل بهِ إلى مواضِع القوة. ولِذلِك سعى الإنسان إلى النفوذ الذي يُمكِنهُ مِن مُمارسَة القوة التي تصل بِمَن يَمتلِكُها إلى مواقع السيطرة.
هذا ولم يَكُن الصِراع على امتلاك القوَه وليد عصر مُعيَن أو مُجتمَع مُعيَن ، وإنما قام مُنذ قامت الجماعة البشرية الأولية ، فالصِراع على تولى الحُكم هو صِراع مِن أجل القوة.

ولقد تمحورت هذه النظرية في ثلاثة اتجاهات نظريَه مُعينه هي:

1)  نظرية ابن خلدون:  

لقد أشار ابن خلدون في كتاباته عندما تناول موضوع الدول العامة والممالك والخلافة، إلى أن الممالِك والدولة العامة إنما يحصلان بالعصبية أي بالقوة، ويرتبِط مفهوم الدولة عِند ابن خلدون بنظريته في العصبية ارتباطا عضوياً، ولذا كان معنى الدولة عنده يختلِف باختلاف الزاوية التي ينظُر مِنها إلى العصبية الحاكمة ورِجالاتها والعِلاقات السائدة بينهُم مِن جهة، وبينهُم وبين العصبيات الخاضعة لهُم مِن جهة أخرى.
ولقد فسرها ابن خلدون العلامة المغربي الأصل، تفسيراً اجتماعيا اقتصاديا، فربط نشوء المُجتمع بضرورة تأمين الحاجات المعيشية، وأنَ أصل نشأة الدولة يعود إلى عامِل القوه والغلبة، بسيطرة القوى على الضعيف، عِند اجتماع الإنسان بالإنسان بقصد تلبية الحاجات، حيث أنَ تلِك العلاقة هي علاقة تصادم وصراع دموي، فالدولة عند ابن خلدون هي الامتداد المكاني والزماني لحكم عصبيةٍ ما، أي مدى نفوذها واتساع رقعتها، وما يتناول استمرارها في الزمان، أي مختلف المراحِل التي يجتازها حكم العصبية الحاكمة من يوم استلامها إلى يوم خروجِها مِن يدها.
العلامة ابن خلدون ويرى أنَ الدولة لا تقوم إلا إذا توافرت ثلاث أسس هي:
                            الزعامة         و          العصبية        و         العقيدة
فمِن خلال ظهور زعيم تتوافر فيه شروط الزعامة مِثل الاستقامة والكرم والشجاعة والمروءة، يفرض نفسهُ بالقوة.
أما العصبية فتلعب دوراً أساسياً عِند البدو قبل ظهور الحضارة في مجال التماسك الاجتماعي، مما ينتُج عنه شعور الأفراد بالانتماء إلى جماعة مُعينه قادرة على تشكيل قوه تدفعها إلى إخضاع الجماعات الأخرى الضعيفة.
 وأما ا العقيدة عِند ابن خلدون هي العامل الأساسي والقوى في تماسُك الجماعات. وقد اعتبر أن قيام مُجتمع على أساس العصبية والعقيدة سيزيد في استقراره ودوامه كقوة اجتماعية.
وابن خلدون يدافع على فروضهِ الثلاثة الذي استخلصها مِن تفسيره الذي أسماهُ العقلاني للتحول مِن الحكم بالشريعة إلى الحكم الاستبدادي المُطلق. فابن خلدون قد تأثر بالمُحيط الذي عاش فيه والمُتمثِل في وجود دولـه قوية في ذلك الوقت بالمغرب العربي.
ويُحدد ابن خلدون عُمر الدولة بثلاثة أجيال حيثُ الجيل يساوى أربعين سنه. وهكذا حاول ابن خلدون تفسير ظاهِرة الدولة من خِلال إيجاد أسباب اجتماعيه لِنشأة الدولة، في زمن كان التفسير فيه أخلاقياً.
ولكِن وعلى الرغم مِن أن التاريخ الإنساني يُعطينا شواهِد كثيرة عن استخدام القوَه لإقامَة دولـة وبوجه خاص في الدول القديمة، إلا أن ذلِك لا يكفى لاستقرار واستمرار الدولة، وعلى السلطة السياسية لكي تضمن الاستمرار والبقاء لا بد لها مِن القوة المشروعة والتي تأخُذ مشروعيتُها مِن رضا وقبول أفراد الشعب.
ولم يفصِل ابن خلدون بين السياسة والأخلاق، بل اعتبر الأخلاق هي الهادي للسياسة، وذهب إلى القول بأن الأخلاق في سياسَة الدولة تُكسِبُها القوَه، وأن السلطة تنبعِث مِن القوة، وهى تتسم بالعصبية والشوكة. وربط ابن خلدون بين الدين وقوَة الدولة وسِعتِها، ومِن هُنا لا يُمكِن للسلطة السياسية أو الدولة أن تستنِد إلى القوَه الغير مشروعَه وحدها، وإن حدث ذلِك تكون دلاله على بداية السقوط والانهيار للدولة. ولهذا يفسر ابن خلدون قيام الدولة بثلاثَة عوامِل أساسيَه هي الزعامة والعصبية والعقيدة.

2)  النظرية الماركسية

لقد ساد في العصور الوسطي وما قبلها العديد مِن الأنظمة الحاكمة التي كانت تعتمِد على أساليب الظُلم والاضطهاد والمُمارسات القمعية وغيرِها تِجاه شعوبِها، الأمر الذي كان يُمثِل استهانة بالعنصر البشرى وأهميتَهُ، بالإضافة إلى رغبَة تِلك الأنظمة تتمثل فقط في العمل على تحقيق رغبات الحكام.
هذا الوضع أسهم في توليد فلسفَه تدور في الأساس حول البحث عَن حقيقَة الإنسان وحقوقهِ وسبب وجوده، وعَن وظيفتهِ وما له وما عليه.
وهذه المسائل ليست بالأمر السهل في تحقيقه.  الأمر الذي دفع الكثير مِن المفكرين بالبحث عن أصل نشأة الدولة، واختلفوا في تفسيراتهم، وترتب على هذا الاختلاف ظهور العديد من الأفكار والنظريات لِتفسير أصل هذه النشأة للدولة وفى تحديد وقت ظهورِها. ذلِك لأن الدولة تُمثِل ظاهِرَه اجتماعية يرجع أصلها إلى الحضارات القديمة.
ومِن هذه النظريات المفسرة ظهرَت الماركسية كمذهَب وتيار فكرى في النصف الثاني مِن القرن التاسِع عَشر في شرق أوروبا على يد ماركِس الذي استوحى نظريتَهُ مِن خِلال نقد وإعادَة قِراءة كُلٍ مِن الفلسفة الألمانية والاقتصاد السياسي الإنجليزي والاشتراكية الفرنسية.
وكانت هُناك مجموعَه مِن الأسباب والعوامِل سائدة في تِلك الفترة أدت لِظهور النظرية الماركسية. وتتمثل أهم هذهِ الأسباب والعوامِل في عوامِل مِثل الفقر الذي كان يعيشَهُ الغالبية مِن الناس، وكذلِك التناقضات التي جاء بِها النِظام الرأسمالي في أوروبا، وأيضاً الاضطهاد الكنسي الذي كان يُمارِس ضغوط على المجتمع.
ومِن ثم كان ماركِس حريص على وضع قوانين جدلية وتاريخية مِن أجل مُحاولَة الوصول إلى أسس المُجتمَع الاشتراكي.  ولكنهُ اصطدم بالرأسمالية وانتقاد بعض المُفكرين لنظريته.
فالنظرية الماركسية ترى أن الدولة لم تكُن موجودة على الدوام، حيثُ ساد زمن لم يَكُن للدولة وجود، وأن الدولة جاءت نتيجَة الصِراع الطبقي في المُجتمَع، وجاءت كتنظيم للحِفاظ على مصالِح الطبقة المسيطرة وهى الطبقة البرجوازية المالكة لوسائل الإنتاج.
وترى هذه النظرية أن الدولة هي ظاهِرة مصاحِبه للتناقُض الطبقي، لأنها تظهر فقط في مرحلة التطور الاقتصادي الذي تظهر فيه طبقات اجتماعيه متصارعة، وأن الدولة جاءت نتيجة ذلِك الصِراع كتنظيم للحِفاظ على مصالِح الطبقة المسيطرة وهى الطبقة البرجوازية المالكة لوسائِل الإنتاج، وما الدولة إلا أداه للسيادة الطبقية، وأنها ظاهِره طبقية.

فالدولة حسب هذه النظرية:

تنشأ بنشوء الصِراع الطبقي وتزول بزواله، وأن الدولة لم تكُن موجودة منذ الأزل، ولكِن الدولة بَنَت الطبقية. وكما أن الدولة ليست جهاز مُحايد بل في خِدمة الطبقة المسيطرة اقتصاديا.
فالدولة بصِفه عامه وفي نظر ماركِس هي تنظيم مؤقت مُرتبط بِصراع الطبقات وسوفَ تزول بزوال البرجوازية وانتصار الطبقة الشغيلة في العالم.
فالمفهوم الماركسي للدولة ارتكز على إدانِة السلطة السياسية، حيثُ استخدمت الدولة كأداة لضمان سيطرة فئة اجتماعيه على الفِئات الأخرى، فالدولة ليست نِظاماً حتمياً ولازِماً لوجود الجماعة، فقد وجدت مُجتمعات في التاريخ الإنساني كانَت في غِنى عَن الدولة ولم يَكُن لديها أي فِكرَه عَن الدولة وسُلطة الدولة.
وعِندما بلغ التطور الاقتصادي درجَه اقترنت بالضرورة بانقسام المُجتمَع إلى طبقات وبحُكم هذا الانقسام أصبحت ألدولة أمراً ضرورياً وكان لا بُد أن تظهَر الدولة، فبمقدار ما ينشأ المُجتمع الطبقي تنشأ ألدولة وتتوطد، كما أن شكل الدولة يتحدد حسب النِظام الاقتصادي السائِد فيها.

3)  نظرية التضامن الاجتماعي

إن مفهوم القوه حسب نظريَة القوَه مفهوم واسع بحيثُ يشكل كل أشكال القوة مثل: القوه المادية وقوة النفوذ الأدبي والقوه البدنية والقوة الاقتصادية، والحنكة السياسية والدهاء والحكمة والدين والمال والقوه الفكرية .. وغيرها.
نظرية التضامن الاجتماعي والعلامة الفرنسي "ليون دوجي" وهو كبير فقهاء القانون المعاصرين:
إن للأستاذ ليون دوجى رؤية في تكيُف الدولة، وتبرير قيامِها، تتفق والواقِع الملموس. حيثُ يرى أن الإنسان عاش في الماضي كما يَعيشُ الآن وكما لا بُد أن يعيش في المُستقبَل في حياه اجتماعيه. فالفرد كان دائِماً عضواً في جماعَه إنسانية، غيرَ أنهُ في نفس الوقت يشعُر بكيانهِ الشخصي المُستقِل عَن الجماعة وبِميولهِ الخاص وبحاجاته التي يُريد أن يقضيها، ولكنهُ يعلم أنهُ لا يستطيع تحقيق شيء مِن ذلك إلا إذا عاش في حياه مُشتركه مع غيره.
إذن فالإنسان كان دائماً عضواً في جماعة كما كان دائَما يشعر بفرديته، إلا أنه لا يزال يرتَبط بالجماعة بِرِباط وثيق يرجع إلى التضامن الاجتماعي. وهذا التضامن كان موجوداً في جميع مراحِل تطور المُجتمعات البشرية. فقد كان واضحاً في نِطاق الأسرة ثُم فيما بين أعضاء القبيلة ثُم بين المواطنين في المدينة الواحدة، وأخيراً بين أفراد الشعب في الدولة التي هي الشكل الحديث للجماعات المتحضرة المعاصرة.
وصاحب هذا المذهب يُفسر التضامُن الاجتماعي بالتفسير الآتي:
1)  أن للأفراد حاجات مُشتركة لا يمكِن تحقيقُها إلا في الحياة المشتركة وهذا ما يسمى بالتضامن بالتشابه.
2)  وأن تفاوت قُدرَة الأفراد واختلاف كفايتهِم مما يستتبع بالضرورة تبادل الخدمات بينهم وهذا ما يسمى بالتضامن بِتقسيم العمل.
إن هذان العامِلان يتمثل فيهما التضامن الاجتماعي ويؤديان إلى ترابط الجماعة واستمرارها في الوجود، وما الدولة سوى الصورة الواقعية التي يتجلى فيها التضامن الاجتماعي.
ووظيفَة الدولة إنما هي المحافظة على ذلِك التضامن وتسهيل اتساعه وتطوره ومنع العوامِل التي تُصيبه بالضعف والوهن، وذلِك عَن طريق سن قواعِد لضبط السلوك بالمجتمع وهذهِ القواعِد تُسمى باسم القوانين، والقوانين لا تكون مشروعَه إلا إذا كانت تهدُف إلى حمايَة التضامُن الاجتماعي وإلى كفالَة عوامِل نموهِ و اطراده، فذلِك التضامُن أساس قيام الدولة وهو تبرير ما لها على الأفراد من سلطان.

ويرى أن الدولة ما هي إلا نتيجة حتمية لأربعة عوامل أساسية هي:

العامل الأول:
إن الجماعة تنقسم إلى أقوياء (حكام) وضُعفاء (محكومين)، فالأقوياء يفرضون إرادتهم على الضعفاء، فيتكون فئتين فئة حاكمة وفئة محكومة.
العامل الثاني:
إن سلطة الدولة تظهر بالتمايز أو بالخِلاف السياسي، والخلاف السياسي يعبر عن انقسام الجماعة، واستحواذ إحدى طبقاتِها على السلطة. أي أن الدولة تنشأ عِندما تكون هناك فئتان، فئة حاكمة تفرض سلطانها على الفئة الثانية المحكومة.
العامل الثالث:
إن عامل قوة الجبر والإكراه يفرِض سُلطة الدولة بالقوة، فالسلطة تُعد الدعامة الأساسية لِقيام الدولة، أي هي التي تُعطى الأوامر وتُهيمن على الفئة المحكومة، دون أن تكون هناك سلطة تنافسها أو تمنعها من تنفيذ أوامرها.
العامل الرابع:
كما أن التضامُن الاجتماعي يجب أن يسمو فوق كُل الفوارِق الاجتماعية، وفوقَ شِدة الأقوياء وضعف الضعفاء، على أساس أنهُ العامِل الذي يجمع بين الطبقتين القوية والضعيفة في ظِل الدولة الواحدة، والطبقة المحكومة مُقيده بالتضامن الاجتماعي، ولا تقاوم الظُلم مهما كانت درجته، ومهما تسلطت الطبقة الحاكمة، وبالتالي انعدام قيام الثورات والهزات، وهذا ما يكذبه التاريخ السياسي القديم والحديث.

تقدير نظريات القوه والغلبة:

إن هذه النظريات لا تصلُح لتفسير نشأة جميع الدول، بالرغم مِن أنها قريبة مِن الواقِع، وحتى إن قامت الدولة على القوه إلا أنها سُرعان ما تعود إلى الاستناد على الإرادة الشعبية. فالقوه وحدها لا تكفى لبناء دولـه مُستقرة، وإذا اعتمدنا على فِكرة الصِراع الطبقي عِند الماركسيين، فإن التجارب الواقعية تؤكد وبدون شك أن هُناك دوافِع أخرى للصراع مثل العوامِل الدينية والفكرية والعرقية ... وغيرِها.
وبالنسبة إلى تقييم نظرية التضامن الاجتماعي فنجدُها تفترض تضامُناً اجتماعيا يسمو على كُل الخِلافات الموجودة بين الأفراد، مما يُفيدُ أن الطبقة المحكومة تبقى خاضعة للتضامُن الاجتماعي، حتى ولو تنصلت الطبقة الحاكمة عن التزاماتها فيتكرس الاستبداد.


ب) نظرية التطور التاريخي أو الطبيعي للدولة

وترى هذه النظرية أن الدولة قد مرت في تطورها بالمراحل الآتية:المجتمعات البدائيةالدول والإمبراطوريات القديمةدول القرون الوسطيةالدولة القومية الحديثة

مضمون نظرية التطور التاريخي أو الطبيعي للدولة:

هذه النظرية يُطلِقْ عليها العديد مِن مفكري العلوم الاجتماعية اسم النظرية التطورية المفسرة لنشأة الدولة.
ومضمون هذهِ النظرية أن الدولة نشأت نتيجَة عوامِل مختلفة متعددة ومتنوعة أدت إلى ترابُط مجموعَه مِن الأفراد وإلى استقرارهم في إقليم مُعيَن، فقد تكون هذهِ العوامِل اجتماعية أو اقتصاديه والقوَه المادية وأيضاً العوامِل الدينية والمعنوية والعقائدية، ومِن الطبيعي أن تختلِف أهميَة هذه العوامِل مِن دولـة إلى أُخرى وِفقاً لاختلاف طبيعتُها وتاريخها ووفقاً للظروف الاجتماعية والاقتصادية السائدة فيها.
ونتيجَة هذهِ العوامِل استطاع بعض الأفراد السيطرة على الأفراد الآخرين سواءٌ بِقوتهِ البدنية أو بِقُدرتهِ الفكرية. إن هذهِ النظرية تميزت في أنها لا تُرجِع أصل نشأة الدولة إلى عامِل مُحدد بذاته، وإنما إلى عِدة عوامِل، فبتفاعُل العوامِل الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والمادية، الذي لم يحدُث فجأة وفى تجمُع واحِد وإنما حدث هذا التفاعُل في فترات زمنيَه طويلة ونطاقات مكانيَه متباعدة، الأمر الذي أدى إلى إمكانيَة تغلُب هذهِ العوامِل على الأخرى وبنسب متفاوتة، هذا التفاعُل وهذا الاختلاف في التأثير أدى في النهاية إلى تجمُع مجموعَه مِن الأفراد وظهور فئة استطاعت فرض سيطرتِها على باقي الجماعة، وبالتالي ظهور هيئَه عُليا حاكِمَه وأخرى محكومَه تُجسِد معنى التجمُع القائِم على فِكرَة الاختلاف في الأنظمة السياسية وأشكال الحكومات.
وطبقاً لهذهِ النظرية فإن الدولة ظاهِره اجتماعيه نشأت بِدافِع تحقيق احتياجات الأفراد شأنها شأن الظواهِر الأخرى، ولا يمكن تفسيرُها طبقاً لِعامِل واحِد بل هي نتاج لِأكثر مِن عامل أهمُها مِثل عامِل القرابة الذي أوجد المُجتمع، والمُجتمع هو الذي أوجد الدولة، والأسرة باعتبارها الخلية الأولى للمُجتمع تحكمُها رابطة القرابة، وكُلما تعددت الأسر ازدادت ظاهِرة القرابة تعقيداً، ولقد أثرت ظاهِرة القرابة تأثيراً كبيراً في مشاعِر الأفراد مِثل مشاعِر الوحدة والتضامُن بينهُم، ويوجد عامِل الدين الذي كان له دور وأثر كبير في تقوية روابط التضامُن الاجتماعي بين الشعوب البدائية، وساهَمَ أيضاً في ضبط سلوك الأفراد في المُجتمع عن طريق ما تضمنهُ مِن جزاء، وأما عامِل النشاط الاقتصادي، فقد أدى إلى أشكال مختلفة للملكية، كما حقق الاستقرار في الإقامة، وظهور الملكية الخاصة، وظهور الفروق الاجتماعية في الثروة بين الأفراد، مما استلزم إيجاد قواعِد جديدة لتنظيم هذه المصالح، أنَ كُل هذه العوامِل أدت إلى نشوء الدولة، وذلِك مِن وِجهة نظر أنصار هذه النظريات.

ويوجد اختلاف بين أتباع هذهِ النظرية:

هذا الاختلاف يدور حول وسائِل السيطرة التي فرض بِها الحُكام إرادتهُم على باقي أفراد الجماعة. فنجِد قُدامى المُنادين بهذه النظرية قد ذهبوا إلى أن الحُكام اعتمدوا على قوتِهِم المادية، في حين نجِد أن المُعاصرين مِنهُم لا يعتمدون القوَه كمُتغير أساس ووحيد في فرض سيطرَة الحُكام، بل تدخُل في ذلِك مُتغيرات أُخرى مِثل الكاريزما وقوَة التأثير والدهاء السياسي وغيرِها مِن العوامِل. ومِن الطبيعي أن اختلاف العوامِل الاجتماعية والاقتصادية والعقائدية وغيرِها إضافةً إلى الظروف التاريخية، التي أدَت في مُجملِها إلى ظهور الدولة، وتبايُنِها مِن دولـةٍ إلى أُخرى أن يُحدِث ذلِك اختلاف في شكل وتكوين كُل دولة، ويكون ذلِك على درجَه مِن التبايُن تزيد أو تنقُص.
وكذلِك نجِد العالِم ديجى فقد كانَت له وِجهَة نظر خاصة في أصل نشأة الدولة تتشابَه معَ نظريَة التطور التاريخي، مِن حيثُ أن الدولة ليسَت إلا ظاهِرَه اجتماعيه تخضَعْ لِفكرَة الاختلاف السياسي، التي يكمُن فيها أصل الدولة في جميع المُجتمعات السياسية، فالدولة في نظرهِ ظاهِرَه تاريخية نتجَت عَن قيام طائفة مِن الناس بِفرض إرادتِها على بقيَة المُجتمَع بِواسِطة القهر المادي، فهي إذن نتيجة لِظاهِرَة القوَه، إلا أن القوَه ليسَت المتمثلة في الصِراع المادي، ولكنها تظهَر أيضاً في القوَه المعنوية والدينية والاقتصادية.
وهذا التنوع في عوامِل تكوين الدولة هو الذي يُميز نظريَة ديجى عَن نظريَة القوَه، رغم اتفاقه معها في إرجاع نشأة الدولة إلى قوَة الحُكام وفرض إرادتهِم على المحكومين، إلا أنهُ يختلِف معها ويتفِق في نفس الوقت مع نظريَة التطور التاريخي في تعدُد العوامِل المتمثلة في القوَه الاقتصادية والقوَه الدينية وليس فقط القوَه المادية.

وأهم ما يميز نظريَة التطور التاريخي للدولة أنها مرت بمراحِل عِده أهمها:

المجتمعات البدائية:

لقد تطورت الدولة في هذهِ المُجتمعات مِن اجتماع ألأسره ذات الأصل الواحِد إلى مُجتمع العشيرة، التي تلاحمت مع عشائِر أخرى وكونتْ القبيلة، ونتيجةً لِذلِك تم اكتساب القوه والتمتُع بفوائِد الحياة التعاونية، تحت قيادة سُلطه موحده.

الدول والإمبراطوريات القديمة:

وهي الدول التي قد تنشأ مِن تجمُع عِدة قبائِل، مِثل ظاهِرة دولـة المدينة في اليونان القديمة، وكان أهم ما يُميز حضارِة هذهِ المدينة، الثقافة المشتركة التي كانت تجمع بينَ اليونانيين، وكان النِظام الطبقي السائِد في تِلك المُدن اليونانية قد أستُخدِم أساساً للنِظام السياسي فيها، ثُم تلت ذلِك مرحلة الإمبراطورية الرومانية، لِتتشكلْ مِن تجمُع عِدة مُدن صغيرَه ومستقلة عن بعضِها، مِثل المُدُنْ الإغريقية، وهكذا نشأت الإمبراطورية الرومانية، وتوسعت في الشرق والغرب، مُعتمدةً على القوة والقانون.

دِول القرون الوسطي:

وهذهِ هي المرحلة التي أتت بعد اندثار الإمبراطورية الرومانية، فلقد تلاشت وضعُفت الدولة في أوروبا وساد الإقطاع، والإقطاعية هي تجمُع اقتصادي وسياسي تتداخل فيه الملكية الخاصة مع الملكية العامة، حيثُ كان الكيان الإقطاعي الأصغر تابِع لِوِحده إقطاعية أكبر مِنه، وهكذا مهدت هذهِ التشكيلة الهرمية إلى ظهور الملكيات التي وصِفَتْ بضعف مُلاكِها على المناطِق التابعة لها، فالدولة الملكية في العصور الوسطي قُسِمَتْ إلى مُقاطعات، إقطاعيات تُحكم بواسِطة النُبلاء، الذينَ أقسموا ولائِهِمْ للملِكْ، ولكنهُم احتفظوا بالاستقلال في حُكم إقطاعياتِهِمْ، أما سُلطة الكنيسة فقد امتد نفذِها مِنْ روما إلى داخِل الإقطاعيات المختلفة، وبِذلِك حافَظَت الكنيسة على وِحدتِها وقوتِها، ووسعت مجال سيطرتِها، بعد أن تَحَدتْ الملوك في أوروبا، ولكِنْ سُرعان ما ضعُفَ نفوذ الكنيسة بِسببْ الحركات الإصلاحية الدينية، وبِسببْ نِمو المشاعِر القومية التي بدأت تظهَر في ذلِك الوقتْ.

الدولة القومية الحديثة:

فمِن حيثُ الشكل هي مُعظم الدِول السائدة في العالم الحديث، وتعود الدولة القومية هذهِ بوجودِها تاريخياً إلى القرن الرابِع عشر، بعد أن تمكنَ ملوك أسبانيا وفرنسا مِنْ إخضاعْ الكنيسة وأسياد الإقطاع إلى سيطرتِهِمْ، وبظهور الدولة القومية ظهرتْ فِكرة المواطنة بمعناها الحديثْ، عِلماً أنهُ تم ترسيخ وجود الدولة القومية وسيادتِها الوطنية في أوروبا بعد مُعاهَدة وستفاليا عام 1648، التي اعترفت بحدود الدِول القومية، وأقرت الاحترام المُتبادل لِسيادة هذهِ الدول على أراضيها ومواطنيها، وهكذا نشأة الدولة القومية في أوروبا، مُعتمدةً في وجودِها على نِظام ملكي مُطلَق وجيش وطني ونِظام ضريبي موحد.

عزيزي الزائر
أرجو أن يكون الموضوع قد نال رضاك
 ولكم كل التقدير والاحترام
وسلام الله عليكم جميعا
وسنتناول أيّ موضوع بأفكار ورؤى  جديدة
انتظرونا قريباً
== القادم أجمل ==
النظريات الاجتماعية أو السوسيولوجية التي تفسر أصل نشأة الدولة Reviewed by ahwalaldoalwalmogtmat on 11/21/2016 Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.