Top Ad unit 728 × 90

News

recent

النظـريـات المجردة التي تفسر أصل نشأة الدولة


النظريات المجردة لم تخرُج من طور التنظير ورفوف الأوراق إلى الواقِع

النظريات المجردة التي تفسر أصل نشأة الدولة

أ) نظرية الوحدة (جيلينيك)

ب) نظرية النظام القانوني (هنري كلسن)

ج) نظرية السلطة المؤسسة (جورج بيردو)

د) نظرية المؤسسة (موريس هوريو)

تمهيد:

هذه النظريات المجردة تناولها الفِقه الدستوري المُعاصِر ولم تعرِف أي تطبيق في أرض الواقِع، وسُميَتْ بذلِك لأسباب عديدة مِن أهمها أن النظريات المجردة لم تخرُج من طور التنظير ورفوف الأوراق إلى الواقِع، فإنها رائِعة البِناء التنظيري مع هشاشة أو استحالة تطبيقُها أو إيجادها في أرض الواقِع، لهذهِ الأسباب وغيرها كان الدافِع لتجريد هذه النظريات في هذا الاتجاه.
جيلنيك هُنا يُفرِق بين مصطلحين هما مُصطلح العقد ومصطلح الفرينبارونج

أ) نظرية الوحدة (جيلينك)

إنهُ يرى أن الأفراد حينما اجتمعت لإنشاء دولـه كان اتجاه إرادتِهِم قانونياً موضوعياً نحو تحقيق و تنظيم المصالِح العامة والمشتركة، وهذا الاتجاه يختلِف عن العقد الخاص الذي يُنظِم مصالِح خاصة بين الأفراد، و جيلنيك هُنا يُفرِق بين مصطلحين هما مُصطلح العقد ومصطلح الفرينبارونج ، حيثُ يرى أن في حالِة تقابُل أو التقاء أو تطابُق إرادتين فإنهُ يَحدُث نوعان من العِلاقات القانونية هما عِلاقِة العقد وعِلاقِة الفرينبارونج.
فالعقد هو تطابُق وتوافُق إرادات على أساس الرِضا واتفاق على المحل إذا وجدت مصالِح لهذه الإرادات وتُريد كلٍ مِنها الحصول على مصالِح أو أشياء مختلفة خاصة بين أطراف العقد، فالمصالِح الذاتية الخاصة هي التي دفعت بالتعاقُد، ولهذا فالدولة لا يُمكِن أن تنشأ بواسِطة عقد، لأن الإرادات لا تتجِه نحو موضوع واحِد، بالإضافة إلى أن العقد يُنشِأْ وضعية قانونيَه ذاتية خاصة وليست موضوعية عامة كالدولة التي لا تكون إلا نتيجةً للفرينبارونج، فالفرينبارونج هو تعدُد العديد مِن الإرادات المتطابقة، وهُنا تكون العِلاقات مُتباينَةْ الإرادات من اجل تحقيق هدف موضوعي واحِد وهو إنشاء الدولة، فالفرينبارونج يُقصَد بهِ النتيجة المُحصَل عليها بِفِعْلْ مُشاركة عِدة إرادات مُجتمِعَه مِن أجل تحقيق هدف موضوعي عام واحِد مُشترك هو إنشاء الدولة.
إن رؤية هذا الفيلسوف الألماني جيلنيك وفِكرتهِ هذه جيده وممتازة مِن العديد مِن النواحي: فعلى المُستوى الداخلي، على أساس الفرينبارونج يُمكِن تبرير إنشاء الشركات المساهمة المُتعَرفْ عليها في القانون التجاري، كذلِك على مستوى القانون العام نجد هذه النظرية تتماشى مع الأنظمة الدستورية المعاصرة، وعلى وجه الخصوص الأنظمة البرلمانية، كالاتفاق الحاصِل بين الحكومة والبرلمان، أما على المستوى الدولي فإن هذه الفكرة تتماشى مع فِكرة الاتحادات والاتفاقيات، وهذا الاتجاه هو أكثر اعتمادا في الوقت المعاصر.
أما هذهِ النظرية على حسب المنطِق فإنها تُبرر نشأة السلطة السياسية وليس نشأة الدولة، ولا يُمكِن تصور أن تنشأ الدول بفضل إرادات مختلفة دون أن يوجد نِظام قانوني منشئ للدولة، إنَ العقد لا يُلزِم إلا موقعيه، فلكي تنشأ الدولة بموجب عقد يجب أن يكون هذا العقد مقبولاً مِن جميع الذين يشكلون رعايا الدولة، وعملياً على أرض الواقع دلت التجارب أنهُ لا يُمكِن الحصول على الإجماع إنما الأغلبية، فكيف تصبح الوضعية القانونية للذين لم يوافقوا على العقد وهُم جُزء مِن الدولة التي أُنشأت.
الدولة هي نِظام قانوني قائِم على تسلسُل وتدرُج القواعِد القانونية

ب) نظرية النظام القانوني (هنري كلسن)

ب ) نظرية الِنظام القانوني للفقيه النمساوي هنري كِلسِن:
إنَ هذا الفقيه يرى أن الدولة ما هي إلا نظام تسلسلي أو هرمي للقواعِد القانونية تستمِد صحتها مِن قاعدة قانونيَه مُفترَضَه. بمعنى أن الدولة هي نِظام قانوني قائِم على تسلسُل وتدرُج القواعِد القانونية في شكل هرمي مركزي، كُل قاعدة تستمِد صحتُها مِن قاعدة أعلى مِنها درجه إلى أن تصِل للدستور الذي يستمدُ صحتهُ مِن الدستور الذي سبقه، وهذا الأخير هو افتراض فقط أنه موجود، وهذا ما يُعرف عِند فقهاء القانون الدستوري بمبدأ دستورية القوانين، فالقاعدة الأساسية المفترضة لا يجوز أن نسأل مِن أين تستمِد صحتُها الإلزامية، ولكن يجب الاعتقاد بهذهِ القاعدة والإذعان لها.
إن نظريَة كِلسِنْ تقوم على أساس التطابق بين القانون والدولة، فالدولة هي تشخيص للقواعِد النافذة وقواعِد القانون لا تقِف كُلها في نفس المُستوى، بَلْ إنَ بعضها يعلو على بعض في الدرجة، فقواعِد القانون على هذا النحو تُشبِه الهرم المكون مِن عِدة درجات أو طوابِق، وتتماسك هذه الدرجات فيما بينها نظراً لأنَ صِحَة القواعِد الموجودة في كُل طابِق تعتمد على القواعِد الموجودة في الطابِق الأعلى، وهكذا وفى قِمة هذا الهرم يَقِفْ الدستور وهو القاعدة الأساسية التي تعتمدُ عليها كُل القواعِد الأخرى وأنَ هذهِ القاعدة العُليا هي التي تخلِق الدولة وتوحدها.
إنَ كِلسِنْ يرى أنَ الدولة والقانون كُلاً واحِداً وهكذا توجد الدولة بعمليَة إصدار الدستور، وهذه المحاولة أو فِكرة أنهُ بإصدار الدستور تُنشأ الدولة لا يُمكِن الأخذ بِها بالرغم مِن مما تستحِقَهُ مِن تقدير، إلا أن هذهِ النظرية لم تسلم مِن الانتقادات أهمُها للفقيه ريني في كِتابه الحتمية القانونية فهو يُسلِم بفِكرة الهرم القانوني.
إلا أنهُ يعتبر أن الدستور الأول ليست لهُ قوه فرضيَه وإنما قوه واقعية تُستمد مِن الجمعية التأسيسية، أما المدرسة الماركسية فتعتبر أن الدولة ما هي إلا مِرآه للنِظام الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي القول بالقاعدة الافتراضية الملزمة لا سند لهُ من الصحة.
ونقد آخر يقول:
نظراً لأن الدستور ليس إلا مُجرد واقِعَهْ بين غيرِها مِن الوقائع، فهو ليس الواقعة الوحيدة التي يُمكِن الاعتماد عليها دون غيرِها لتفسير نشأة الدولة، ولأنهُ لا يكفى وحدهُ لِمُجرد أنهُ يخلِق الأجهزة والأعضاء القادرين على التعبير عن سُلطة الدولة ومُمارسة هذهِ السلطة، لأن خلق هذهِ الأجهزة والأعضاء ليس محض صُنع الدستور، فهي دائماً موجودة في الجماعة حتى قبل وضع الدستور وإصداره، فالدولة حقيقة موجودة قبل وجود الدستور ولأن الدستور يَقُمْ بإنشاء الدولة.
الدولة غير موجودة ولا كيان لها إلا حينما تؤسس وتُنظِم سُلطاتِها القانونية
الدولة عِندهُ هي كيان معنوي مُستقِل عن أشخاص الحُكام
ج ) نظرية السلطة المؤسسة للفقيه بيردو:
إن الفقيه جورج بيردو الدولة عِندهُ هي كيان معنوي مُستقِل عن أشخاص الحُكام، هذا الكيان المعنوي يتم عبر تأسيس السلطة السياسية المستقلة والمتمتعة بالشخصية المعنوية، مما يعنى أن الدولة لا وجود لها إلا إذا انتقلت السلطة السياسية مِن الجهة المسيطرة عليها وهُم الأشخاص الطبيعيين إلى كيان مُجرد هو شخص معنوي، ومِن هُنا تنفصِل الدولة عن الحُكام وتندمِج في التنظيم المُجرد الدائِم هو الدولة، وبذلِك تتحول السلطة مِن فعلية إلى قانونيَة، وهذا لا يتم إلا بعمل قانوني يغيـر طبيعة السلطة السياسية وينشأ الدولة، وهذا العمل هو الدستور.
ومِن هُنا فالدولة غير موجودة ولا كيان لها إلا حينما تؤسس وتُنظِم سُلطاتِها القانونية، وذلِك مِن خلال نقل الدولة مِن سُلطه سياسية أي مِن سيطرة شخص أو أشخاص إلى كيان معنوي مُجرد، ومِن خلال وضع الدستور، وبهذا تتحول مِن دولَـه فعلية إلى دولَـة قانونية، وإجمالاً أن الدولة لا توجد إلا بوجود الدستور، وهذا ما ينفيه ويرفضه الواقع.
وذلِك على الرغم مِن صحة هذهِ النظرية في العديد مِن الجوانِب إلا أنها لا تتماشى مع الدول ذات الدساتير العرفية التي لا توجد فيها قوانين عُليا تنظمها.
الدولة جهاز اجتماعي مترابط يهدف إلى تحقيق نظام اجتماعي وسياسي

إن الدولة جهاز اجتماعي وسياسي

د) نظريَه المؤسسة – لــــــ  موريس هوريو:
يرى هوريو إن الدولة جهاز اجتماعي وسياسي ، فتتشكل الدولة مِن أفراد مُسيرين مِن قِبل حكومة تهدُف إلى تحقيق نِظام اجتماعي وسياسي، وأن الدولة ما هي إلا مؤسسَه مِثل بقيَة المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، تنشأ باتفاق الأشخاص الذين تجمعهُم فِكره واحِده مُشتركَه وهى إنشاء نِظام اجتماعي وسياسي بطريقَه قانونيَه ويتم ذلك عبر مرحلتين هما:
في المرحلة الأولى: يتم الاتفاق بين الأفراد على فِكرة مشروع إنشاء دولَـه، وهذهِ الفكرة يتحمس لها أفراد مثقفين وقاده وزعماء يحولون إنشاء جهاز أو تنظيم بالطرُق القانونية المتوفرة لديهِم ووفقاً لقانون ساري المفعول.
وفى المرحلة الثانية : يقوم الأفراد المثقفين والقادة والزعماء المُتفقين معاً على هذه الفكرة بدعوة الأفراد للانخراط والانضمام لهُم لِمُساعدتِهِم على تحقيق فِكرة مشروع إنشاء الدولة.
وبذلِك تنشأ الدولة نشأه قانونيَه مِن خلال فِكرة إنشاء الدولة، ومن خلال سُلطه مُنظِمَه على رأس الجِهاز المُنشَأ مِن طرف أصحاب الفكرة، وأيضاً مِن خلال جماعَة الأفراد المعنيين بتحقيق وتنفيذ هذه الفكرة.
فالدولة حسب موريس هوريو مؤسسة المؤسسات، ولا يتم هذا التأسيس إلا مِن خلال ثلاثة مراحِل هي: مرحلة الفكرة الموجهة مِن أفراد مثقفين وقاده وزعماء يتصورون فِكرة المؤسسة ويتصورون وسائِل إنجازها، ثم تأتى مرحلِة الانضمام الأفراد الآخرين، وذلِك بالاعتماد على النصوص القانونية الموجودة سابقاً، ثم تأتى المرحلة الأخيرة هي مرحلة نشر الدستور، بحيثُ يُكرس ما هو قائِم ويُعدل حسب مُقتضيات الحاجة، ويستدِل موريس هوريو على رؤيته هذه بقيام دولِة الجزائِر، حيثً يرى أن مرحلة الفكرة الموجهة بدأت بظهور القادة والزعماء التاريخيين، ثُم بدأت مرحلة الانضمام بموافقة الشعب والالتفاف حول الثورة ومبادئِها، ثُم بدأت مرحلة نشر الدستور بميثاق طرابلس.
وقد انتقدت هذه النظرية، فحسب المنطِق وحسب اعتقاد بعض رجال القانون، فإن قيام الدولة كقاعدة عامَه لا يقوم على أساس هذه المراحِل وتسلسلِها، حتى وإن صحتْ هذا التصور لهوريو بالنسبة لحالِة دولَـة الجزائِر فإنهُ لا يصِح بالنسبة لبقية الدول. حيث توجد هُنا في حالة دولـة الجزائِر مغالطة تاريخية، وهي أن دولـة الجزائِر كانت موجودة مع العثمانيين والأمير عبد القادر، إلا أن هذهِ الدولة حدث لها نوع مِن الضعف والاضمحلال مع الاستعمار الفرنسي لها.

نشأة الدولة والافتراضات النظرية:

فمِن خلال الإطار النظري للدولة نجِد إنهُ حاول عُلماء السياسة اكتشاف كيفية نشأة الدولة، ولقد اعتمدوا في تفسيراتهِم على افتراضات نظريَه وتأملات فلسفيَه، وعلى الرغم مِن اكتشاف عيوب ونواقِص في الكثير مِن تِلك النظريات التأملية القديمة التي مِنها نظريات غيبيَه ومِنها نظريات عِلمية، إلا أن بعضُها مازال يحتاج ويستحِق الكثير مِن التأمُل والتمعُن والاهتمام والدراسة.
إن الدولة ظاهره، ومِن غير القابِل للجدل، فإن مركز هذه الظاهرة تموضع في أوروبا الغربية، وأن مخاضها كان عسيراً ومُتعِباً، ومِن الواضِح أنه إذا كانَت ولادَة الدولة متموضعة في مكان محدد، فإن تاريخها لن يبقى دقيقاً لأنه لم يكُن نتيجةً مبرمجة لتأسيس متجذر ومترابطْ، بل يكون ثمره لتاريخ صخِب ومضطرِب موشح بانتصارات وهزائِمْ وتقدُمْ وتَراجُع، وخلال مرحلة بنائِها الإنساني عرفت الدول بنضوجِها فترات مشجعه للانقباض الجاذِب والدافِع نحو المراكز، ومراحِل الانبساط النابِذ والمبتعِد عن المراكز ووِفقَ طريقِه حسابية، ويبقى جُزء مِن اللُغز الغامِضْ لِهَذا السِفر التكويني ، يلح بصوره مستمرة ويبقى حاجِزاً في طرح التساؤلات اللجاجة لتحليل المخاض العسير للدولة.
أن كُل هذهِ النظريات المذكورة سابقاً لم تسلَم مِن الانتقادات، مما يعنى عدم وجود نظريَه صحيحة تماماً ومثالية، وإنما تباينت النظريات هذه من حيثُ الصحة والعمومية عِند العلماء، وأكبر مؤثِر لهذا التبايُن هو الواقِع المعيشي والاجتماعي لهُم. ومع هذا فإن نظرية التطور التاريخي هي الأكثر واقعية وأفضَل مِن غيرها مِن النظريات السابقة.
وخلاصة القول:
       =========
إنه يوجد اتجاهين فكريين لتفسير أصل نشأة الدولة، الاتجاه الأول يَمزِج بين مفهوم السلطة ومفهوم الدولة، والاتجاه الفكري الثاني يُفرِق بين مفهومي السلطة والدولة.

عزيزي الزائر
أرجو أن يكون الموضوع قد نال رضاك
 ولكم كل التقدير والاحترام
وسلام الله عليكم جميعا
وسنتناول أيّ موضوع بأفكار ورؤى  جديدة
انتظرونا قريباً
== القادم أجمل ==
النظـريـات المجردة التي تفسر أصل نشأة الدولة Reviewed by ahwalaldoalwalmogtmat on 11/21/2016 Rating: 5

هناك تعليق واحد:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.