Top Ad unit 728 × 90

News

recent

نظريات العقد الاجتماعي التي تفسر أصل نشأة الدولة


الننظريات الإتفاقية أو نظريات العقد الاجتماعي

         نظريات العقد الاجتماعي التي تفسر أصل نشأة الدولة

                        النظـريـات الإتفاقيه وتسمى بنظريات العقد الاجتماعي تتمثل في:

أ) نظرية هوبز

    ب) نظرية جون لوك

                 ج) نظرية جون جاك روسو

مفاهيم العقد الاجتماعي

العقد الاجتماعي

اتفاق يكتبه حكماء المجتمع أو عقلائه أو بعض النخب المختلفة

بهدف بناء مجتمع متكامل أساسه العدل والمساواة

اتفاق يكتبه حكماء المجتمع أو عقلائه أو بعض النخب المختلفة بهدف بناء مجتمع متكامل أساسه العدل والمساواة. وهذا الاتفاق هو في الحقيقة عقد اجتماعي، إما أن يكون عقداً سياسياً اجتماعيا يوضِح نشأة المُجتمع، وإما أن يكون عقداً حكومياً أي الاتفاق المُبرَم بين الحُكام والمحكومين. أو يعتبره البعض أنهُ أساس صالِح لما يَجِب أن تكون عليهِ العلاقة بين طرفي السلطة مِن حُكام ومحكومين.

وعموماً: 

فالعقد الاجتماعي هو الرابِط الذي يُحدِد العلاقة بين مُكونات المُجتمع المختلفة وبين سُلطَة الدولة، حيثُ تُنظم أسس هذهِ العلاقة مِن خِلال أنظِمَه أو قوانين تُحدِد ذلِك على أساس الاحترام المتبادَل لبناء المُجتمع على أسس مثاليَه. ويُعرَض هذا الاتفاق على الأفراد للحصول على التأييد الشعبي.

لقد ركز رواد نظريَة العقد الاجتماعي على أن بناء الدولة يؤسس أصلاً على وجود مجموعَه مِن الناس أو الجماعات التي يوجَد بينها تنظيم اجتماعي مُعيَن، يستنِد إلى الشرعية، ووجود التزام مُتبادل بين الحُكام والمحكومين، في حين أن ذلِك لا يتم إلا في إطار الرغبة المشتركة بين أفراد الجماعات وهُم السُكان في التعايُش سوياً بالشكل الذي يجعلهُم يشعرون بالانتماء للدولة مِن أجل حمايَتَهُم ونيل حقوقِهِم وإشباع حاجاتِهِم المختلفة.

الأساس الذي تقوم عليه النظريات الاتفاقية

إن النظريات الاتفاقية أو ما تسمى العقدية أو ما تسمى بنظريات العقد الاجتماعي أو النظريات الديمقراطية، تقوم على أساس أن السلطة مصدرًها الشعب. وهى على وجه العموم ترى أن سُلطة الحاكِم لا تكون مشروعه إلا إذا استندت إلى رضا الشعب.
ونظريات العقد الاجتماعي قال بِها العديد مِن الفلاسفة ورِجال الفِكر والدين، على أن الأساس في نشأة الدولة يرجِع إلى الإرادة الحرة المشتركة لإفراد الجماعة، فلقد اجتمعوا واتفقوا على إنشاء مُجتمع سياسي يَخضَعْ لِسُلطَهْ عُليا بإرادتهم المشتركة. فقاموا بإنشاء الدولة التي كانت نتيجة الاتفاق النابعْ مِن إرادِة الجماعة الحرة التي تحكمُها السلطة، ومشروعية هذهِ السلطة نشأت نتيجةً لِعقدِ قد أُبرِمَ ما بين الأفراد في داخِلْ المُجتمع مِن أجل إنشاء هيئه تتولى حُكم الأفراد.
بدايات تبلور مشروعية السلطة

تبلورت مشروعية السلطة بشكلِ واضِح مع بداية النهضة الأوروبية

ولقد تبلورت مشروعية السلطة بشكلِ واضِح مع بداية النهضة الأوروبية عِندما سادت العقلانية كحل للسلطة السياسية، رغم ظهورِها في زمن قديم جداً. فلقد ظهرت فِكرة العقد كأساس لِنشأة الدولة مُنذُ فترة زمنيَه بعيدَه، واستخدمها الكثير من المُفكرين في تأييد أو مُحاربَة السُلطان المُطلق للحُكام.

فعِند الإغريق زهرة فِكرة العقد الاجتماعي كأساس لِنشأة المُجتمع السياسي، بهدف السهر على مصالِحِهِمْ وللمحافظة على حقوقِهِمْ الطبيعية، ولا يتقيد الأفراد بالقانون إلا إذا كان يَنُصْ على الحقوق الطبيعية ويتفِقْ معها.
فهذه النظرية تقوم على افتراض مفاده أن الأفراد كانوا يعيشون حياه فِطريَه لا تحكمُها أية ضوابِط، وأن الدولة لم تنشأ كشخصيَه قانونيَه بما لها مِن قوه وسيادة إلا بعد إبرام هؤلاء الأفراد لِعَقد اتفقوا بِموجَبهِ على استبدال القانون الطبيعي الذي كان يُنظِم حالتِهِمْ الطبيعية بقانون مِن وضع البشر نتج عنهُ حقوق مدنيَه وسياسية، فهذا العقد هو الذي يُجسِدْ الطابِع الإرادي والاصطناعي للدولة.
وبالرغم مِن أن أصحاب مُعظم هذهِ النظريات انطلقوا مِن فِكره مُفترضهْ واحِدهْ وهى أنَ اتفاقا قد وقع بين الأفراد للخروج مِن الحياة الفطرية إلى الحياة المنظمة، وبهذا كان الأساس في نشأة المُجتمع السياسي أي الدولة، وعلى الرغم مِن قِدم هذه النظريات، إلا أنها تبلورت وتم صياغتِها وإبراز مضمونِها بِشكل واضِح على يد الفلاسفة: توماس هوبز ، وجون لوك ، وجون جاك روسو.

فلقد اتفق الثلاثة وهم توماس هوبز، وجون لوك، وجون جاك روسو، على أن العقد الاجتماعي يقوم على فِكرتين أساسيتين:

الأولى: تعنى أن هُناك حاله فِطريَه بدائية أعاشها الأفراد مُنذُ فجر التاريخ.
والثانية: تظهر في شعور الأفراد بعدم كفايَة هذهِ الحياة الأولى لتحقيق مصالِحهم.
ولهذا فقد اتفقوا فيما يبنهُم على أن يتعاقدوا على الخروج مِن هذه الحياة الفطرية البدائية بمُقتضى عقدْ اجتماعي يُنظِم لهُم حياه مُستقرهْ، أي تعاقدوا على إنشاء دولَه، وبذلِك انتقلوا من الحياة البدائية إلى حياة الجماعة.
إلا أنَ كُل فقيه لهُ تصورهُ الخاص للحياة التي كان يعيشُها الأفراد قبل العقد والأطراف المشاركة في العقد ومضمون هذا العقد والآثار المترتبة عنه.

أ) نظرية العقد الاجتماعي عِند توماس هوبز (1588 – 1679)

توماس هوبز (1588- 1679) هو مِن أصل إنجليزي وولد في زمن اضطربت فيه الأوضاع في بلاده، ولقد تأثر بالظروف والمُعطيات الموضوعية والذاتية في زمانه، فانعكست طبيعَة الظروف الاجتماعية والسياسية في نوعيَة التفكير والاهتمامات التي يتصدى لها. فإن هذهِ الفترة وما صاحبها مِن اضطراب في كلٍ مِن إنجلترا وفرنسا كان لها تأثير كبير عل الفكرة التي عبر عنها هوبز بتأييدهِ المُطلق للحاكِم وأصبح مِن أنصار الحُكم المُطلق.
إن تصور هوبز للفرد أنهُ ليس اجتماعيا كما زعم أرسطو، بل إنه يعمل مَدفوعاً بِمصلحته الخاصة المعبرة عَن أنانيتَه ، وبذلك فإن حياة الأفراد في حالِة الفطرة، كانَت في إطار العُنف والصِراع بين الأفراد وفى جو مِن البؤس والشقاء، وكانت الحرب عبارة عَن الكُل ضِد الكُل ، مِما أدى إلى انعدام الأمن والاستقرار وضياع الحرية، ولِذلِك فعِندما أراد الأفراد الخروج مِن هذهِ الحياة الفوضوية والانتقال إلى حياه يسودُها الأمن والاستقرار، اتفقوا على إبرام العقد الذي يمكنهم من العيش بسلام.
ويرى هوبز أن العقد قد تم بين الأفراد ولم يَكُن الحاكِم طرفاً فيه، ولِذلِك حاول الدفاع عن سُلطة الحاكِم وتقويَة نفوذه، كما أنَ توماس هوبز يُعتبر من أهم من نادوا بفِكرة العقد الاجتماعي كأساس للسلطة ولِنشأة الدولة.
فممضون نظريتهِ أن الحياة البدائية قبل العقد كان يسودها الفوضى والغوغاء، وكانت بدون أمنٍ أو سلام، لِذلك أجتمع أفراد الجماعة واتفقوا على إبرام عقد لينعموا بالأمن والسلام، ويكون أفراد المُجتمع ككُل هم أطراف العقد، وعلى أن يكون مضمون هذا العقد هو التنازُل الكُلى والمُطلَقْ عن كافَة الحقوق والحُريات الطبيعية، وبهذا كانت الآثار والنتائِج لهذا العقد هي أن الحاكِم تمتعَ بِسُلطان مُطلق، وليس مِن حق الأفراد مخلفته.
إنَ هذا العقد الاجتماعي عند هوبز إجمالاً هو عقد يعقده الأفراد بينهُم دون الحاكِم الذي لا يلتزِمْ به، يتِم بمُقتضاهُ إقامة الدولة بالتأسيس وذلِك بالتنازُل عن حقوقهم الطبيعية للدولة، حتى يمكن توفير الأمن للأفراد في الداخل والسلام في الخارِج، مِن خلال المؤسسة الضخمة والتي تُسمى الدولة، وهذهِ الدولة التي تتكون مِن مجموع المصالِح الشخصية وتجمع بين السلطة المدنية والروحية، حيثُ يتم إخضاع الثانية لمُقتضيات الأولى.
أما مُمارسة السلطة المطلقة فتعود إلى الحاكِم بالتأسيس، حيث يمارسها بدون حدود، ولا تَحِق مقاومته مهما بلغت درجة استبداده، لأن السلطة مِن وجهة نظر هوبز مهما بلغَت مِن السوء فلن تصل إلى حالة الحياة الطبيعية التي كانت الجماعة تعيشُها، بل إن وضع أي قيد على الحاكِم، أو ترتيب أي التزام يجعل العقد الاجتماعي قاصِراً عن تحقيق الغرض المنشود.
ولأنهُ يعتقدُ أن حدود هذهِ السيادة تتمثل في العقل، ومن غير المنطقي ألا يبحث الحاكِم عن مصلحة شعبه، هذهِ المصلحة التي تنصهِر في مصلحته، فهذا الحاكِم لا يلتزم بشيء قِبل الجماعة ومِن هُنا ليس مِن حقِهِم مُناقشته ولا مُراقبته ولا مُحاسبته أو الثورة عليه إلا إذا عجز تماماً عن السيطرة على الدولة.
لقد جاءت أفكار هوبز في مؤلفهِ "التنين" والذي يعتبره الباحثين بأنهُ قد قدم حلاً لِبناء نِظام اجتماعي يتحول بالأفراد مِن الحالة الطبيعية اللانظامية إلى المُجتمَع المدني والدولة الحديثة، إلا أنهُ كان حلاً ديكتاتورياً.

النقد الذي وجِه لهوبز:

لقد عبر "هوبز" عن الديكتاتورية بشكل صريح، عندما منح سلطات مطلقة للحاكم على حساب الشعب، مما يؤدي إلى الاستبداد، وهذا تحليل موضوعي إلى ما ذهب إليه بفكرته التي تفسر نشأة الدولة، فهذه فكرة ليست ديمقراطية.
حيث يرى هوبز أن الحاكِم ليس طرفاً في العقد، لأنه قبل وجود الدولة توجد الجماعة أو مجموعة الأفراد دون الحاكم، أما بعد قيام الدولة فلن يكون هناك إلا الحاكِم، لأن الجماعة تنحل بمجرد قيام الدولة، وقد أطلق على الحاكم صِفَة الإله البشرى أو اللوفثان، الذي يجِب أن يكون قوياً، وأن يكون الوحيد الذي تُسمَع أوامِرَهُ وتُطاع، دون تدخُل الأفراد المحكومين.
إن "هوبز" يدعو إلى دعم الملكية المطلقة، باعتبارها في نظره، أكثَر الحكومات استقرارا ونظامية، وهو بذلِك لا يَهدف إلى دعم الملكية في حد ذاتِها بِقدر ما يَهدف إلى دعم حكومة قوية، وأن يَكون مصدَر القانون ليس النِظام الاجتماعي وإنما سُلطَة الحاكم، فهو الإله البشري الذي يُسيطِر سيطرة مُطلقَه على الدولة والسلطة، وهذا مما أدى إلى ديكتاتوريَة الحاكم.

ب) نظرية العقد الاجتماعي عِند جون لوك ( 1662 – 1704)

لكنه لا يرى أن حالِة الفطرة هي حالِة فوضى وحَرب كما يدعى هوبز، بل أن الحياة في هذهِ الحالة تجرى على أصول القانون الطبيعي الذي يُلزِم الأفراد بِحُكم كونِهِم أحراراً مُتساوين أن لا يعتدي أحدهُم على الآخَر في أي حَق مِن حقوقه.
ويؤكِد "لوك" على ضرورَة الفصل بين الكنيسة والدولة والعمل على سيادة الحرية في إطار تأكيده على قيام المُجتمَع المدني، كما أيد الملكية الخاصة باعتبارها حق مكفول للجميع، وهى حق طبيعي يقوم أساساً على العمل وليس التملُك أو الحيازة فقط. على عكس "هوبز" الذي يرى بأن حالة الفطرة أي الحالة الطبيعية تحكمها الأهواء والغرائِز والأنانية.
وبذلك رأى بأن التعاقُد يجِب أن يتِم على أساس أن يتنازَل الأفراد عَن كُل حقوقِهِم للحاكِم الذي تكون لهُ السلطة المطلقة. فإن "لوك" يرى بأن حياة الأفراد في الحالة الطبيعية يحكُمُها العَقْل، لِذلِك فإن الأفراد لا يتنازلون في العقد المُبرَم معَ الحاكِم عَن كُل حقوقِهِم الطبيعية إلا بالقدر اللازِم لِكفالَة الصالِح العام.
مضمون نظرية "لوك" أن الحياة البدائية كان يسود فيها المساواة والخير والسعادة، وأن أفراد الجماعة أبرموا العقد للمحافظة على استمرارية هذا الوضع الذي كانوا ينعمون به، وأن هذا العقد أُبرِمَ بين طرفين هما أفراد المُجتمع مِن جهة وبين الحاكِم مِن جهة أُخرى، وكان مضمون هذا العقد هو التنازُل عن القدر الضروري مِن حقوقِهم الطبيعية لإقامة السلطة، مع الاحتفاظ بباقي الحقوق التي يجِب على الحاكم حِمايتها وعدم المساس بِها، فكانت الآثار والنتائِج عن هذا العقد هي تقييد سُلطة الحاكم بما يكفُل تمتُع الأفراد بحقوقهم الطبيعية الباقية التي لم يتنازلوا عنها.
وإذا كان لوك يتفق مع هوبز في تأسيس المُجتمع السياسي على العقد الاجتماعي الذي أبرِمَ بين الأفراد لينتقِلوا مِن الحياة البدائية إلى حياة الجماعة، إلا أنهُ يختلف معهُ في وصف الحياة الفطرية والنتائِج التي توصل إليها.
لقد قدم جون لوك العقد الاجتماعي في صورة أخرى حيثُ توصل إلى نتائِج عكس ما توصل إليها هوبز. ففي تصور لوك، فالحياة الفطرية الطبيعية للأفراد في مرحلِة الفطرة، والتي يصفها بأنها لم تكُن حالِة فوضى بل كان يحكُمُها العدل والمساواة في ظِل القانون الطبيعي.
وإنما سبب إبرام العقد هو أنهُ بالرغم مِن وجود كُل هذه المُميزات إلا أن استمرارهذا الوضع ليس مُؤكَداً وهذا بسبب ما يُمكِن أن يتعرض لهُ الأفراد مِن اعتداءات الآخرين، وكذلِك الرغبة في حياةٍ أفضل وأكثر تنظيماً عن طريق إقامة سُلطه تحكُمهُم وتحميهِم، ونتيجة لِذلك هدى الناس تفكيرهُم إلى ضرورة إبرام هذا العقد.
ويرى "لوك" أن الأفراد لم يتنازلوا عن جميع حقوقِهِم للحاكِم الذي هو طرف في العقد، وإنما تنازلوا عن جُزء مِن حقوقِهِم فقط، وبذلِك تصبَحْ سُلطة الحاكِم مُقيدَه بما تضمنهُ العقد مِن التزامات، تجعل الأفراد يتمتعون بحقوقِهِم الباقية التي لم يتنازلوا عنها، وأجاز لوك للأفراد حق مُقاومة الحاكِم وفسخ العقد، في حالة إخلالهِ لشروط العقد، وتتفِق نظرة جون لوك مع توماس هوبز في فِكرِة أن الأفراد كانوا في حلة الفطرة ثُم انتقلوا إلى مجتمع مُنظم، ويعتبِر الباحثين المُتخصصين "لوك" مِن مؤسسي النِظام الملكي المُقيد أو ما يُسمى الآن بالملكية الدستورية، لِذلِك فإن الحل الذي قدمَهُ يُعد مِن المنظور التقليدي حلاً ديمُقراطياً لِمُشكِلَة بناء النِظام السياسي في المُجتمعات.

ج) نظرية جون جاك روسو ( 1712 –  1778)

إن روسو كغيرهِ مِن المُفكرين تأثر بالظروف الموضوعية التي سادَت مُجتمعهِ الذي عاش فيه، فتأثرَ بالواقِع السياسي في فرنسا، وغيرِها مِن الدول الأوروبية وخاصةً بريطانيا، ووضعَ "روسو" أفكارهِ في نظريَة العقد الاجتماعي التي أضافَت لها أبعاداً أساسيَه متباينة مع أفكار سابقة.
لقد اتفق روسو مع هوبز ومع لوك في أن الأفراد ينتقِلون مِن حياة حالَة الفطرة إلى حياة الجماعة المنظمة عَن طريق التعاقُد. ولكِنهُ أختلفَ معهما في تصورهِ لِطبيعَة هذا التعاقُد حيثُ حاوَل أن يأخُذ منهجاً وسطاً بين أفكار"هوبز" و "لوك"، بأن يوفِق بين السلطة المطلقة للحاكِم وبين الحَق المُطلَق للأفراد.
ومضمون نظريَة الفيلسوف الفرنسي جون جاك روسو أن الحياة البدائية قبل العقد كان يسودها الخير والسعادة والمساواة ويتمتع فيها الأفراد بالحرية والاستقلال، ونظراً لِفساد الطبيعة وظهور الملكيات الخاصة والإخلال بالحقوق الطبيعية للأفراد، ولهذا اتفق الأفراد فيما بينهُم على إبرام عقد اجتماعي، بين مجموع الأفراد كوحدة واحِده، والأفراد بصِفتهِم الفردية، والجميع يُمثل أطراف العقد، ومضمون هذا العقد هو تنازُل كُل فرد عن حقوقهِ الطبيعية لمجموع الأفراد الذين تُمثلهُم الإرادة العامة، مع احتفاظهم بالحقوق والحُريات المدنية، وآثار ونتائِج هذا العقد هي تمتُع الحاكِم بسلطة مُقيدَه وعليهِ احترام إرادة المجموع.
ويرى روسو أن الإنسان ولِد حُراً وعاش قبل نشأة الدولة حياه فطريَه يسودُها المساواة الطبيعية إلى حين ظهور الملكية الخاصة التي أحدثت خللاً في تِلك المساواة، وعندما بدأت الصراعات في الظهور لجأ الأفراد إلى إبرام عقد تنازلوا فيه عن كُل حُرياتِهِم لمجموعاتِهِم كُله، مما أدى إلى خلق كائِن جماعي أي إرادة عامة، وقال روسو بدلاً مِن أن نوجِه قوانا نحو أنفسِنا فلنضُمها في قوه عُليا تحكُمنا نحنُ الجماعة، ويكون ذلِك وفقاً لقوانين عادِله تحمينا وتُدافِع عنا، فكُل واحِد مِنا يُعطى المجموع نفسُهْ وكُل قوتهِ ويضعُها تحت التوجيه الأسمى للإرادة العامة، وأن الحاكِم في هذه الحالة ليس طرفاً في العقد وهو مُجرد وكيل عن الجماعة وعليهِ الالتزام بحدود الوكالة.
وأن هذا التنازُل لا يُفقِد الأطراف حقوقِهِم وحُرياتِهِم لأن الحقوق والحُريات المدنية استبدلت بِتلك الطبيعية المُتنازَل عنها للإرادة العامة، والحكومة لا تقوم على أساس تعاقُد بينها وبين المواطنين، وإنما هي هيئه مِن المواطنين مُكلفَه مِن قبل صاحِب السلطة بمباشرة السُلطات والذي لهُ الحق أن يستردها وأن يمنحُها إلى أشخاص آخرين.

وبإيجاز:

فإنهُ لِكُل هذا يرى روسو، بِأن الدولة التي تتأسس بِموجِب هذا العَقد لا تُمارِس قهراً على الفرد، بل تصبح أساساً للحرية الحقيقية. فالعقد تأسيس للإرادة العامة التي تفوِض السلطة السياسية في التعبير عنها، وإذا لم يَكُن التعبير مُلائِماً فليس هُناكَ ما يمنَعْ مِن إحلال سُلطَه سياسية جديدة، وهو ما يجعَل هذا الحل يَتسِم بالطابِعْ الديمقراطي في حَل مُشكِلَة النِظام الاجتماعي.

وعموماً   يُمكِن القول:

بأن روسو قد لجأ إلى استخدام العقد الاجتماعي بطريقَه تختلِف اختلافا تاماً عن لوك و هوبز، فكان أكثر شعبيةً مِن لوك وأكثر تقيُداً بالمباديء مِن هوبز فقد كانَت المُثُل العُليا التي يدعو لها هي الديمقراطية المباشرة والمساواة التامة، واتجهت أفكارُه إلى إعادَة بِناء النِظام الاجتماعي والسياسي، فمِن أجل تنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية لأفراد المُجتمَع لجأ "روسو" إلى بِناء القوَه أو النسق الطبيعي في المُجتمَع، حتى يستطيع يطلُب مِن الأفراد الخضوع الكامِل له، وبِذلِك يلتزِم كُل مواطِن بأن يُقدِم للدولة كُل ما تطلبهُ مِنه، ويؤكِد "روسو" على أن الحضور الكامِل للدولة في حياة الفرد لا يُعتبَر قهراً، وإنما يُعتبر أساساً ضرورياً لحريته.

وإجمالاً:

لقد قدم "روسو" حلاً يقترِب مِن الديمقراطية الشعبية المباشرة لِمُشكِلَة بناء النظام السياسي.

تقدير النظريات التعاقدية:

لقد تعرضت النظريات التعاقدية إلى عِدة انتقادات منها أنها خياليَه لا تستند إلى الواقِع، وغير صحيحة مِن الناحية القانونية والناحية الاجتماعية. فمن خِلال ما تقدم يتضح أن الأساس التعاقدي لِنشأة الدولة والسلطة السياسية، أساس افتراضي وغيبي، فالتاريخ لا يعطينا مثلاً واحِداً واقعياً يُفيدْ بأن جماعَه مِن الجماعات قد نشأت بواسِطة العقد.
ومِن هُنا يتضح أن هذه النظريات التعاقدية خياليَه ولا تستند إلى الواقِع. فلم يقُل أحد أن التاريخ ينبيء عن قيام مِثلهِ، كما أنها غير صحيحة مِن الناحية القانونية لأن المنطِق لا يُسانِد هذهِ النظريات إذ أنَ الأصل أن تكون هُناك قاعدة قانونيَه تُقرر القوه الملزمة للعقد قبلَ إبرامه، ومِثل هذهِ القاعدة لا يُمكِن تصور وجودِها إلا في مُجتمع مُنظم.
كما أن هذهِ النظريات غير صحيحة مِن الناحية الاجتماعية لأن أصحاب هذهِ النظريات يرون أن عقدهِم الاجتماعي هو الذي يُنشِىء المُجتمَع المُنظَم، فهذهِ النظريات تفترِض أن الإنسان كان في عُزلَهْ قبل نشأة الجماعة وهذا الفرض غير صحيح لأن الإنسان كائن اجتماعي، كما أنَ هذهِ النظريات أبرزت الحُكم المُطلَقْ أو تُقيمْ سُلطاناً رهيباً كالإرادة العامة.

وإجمالاً لكل ما سبق:

وعلى الرغم مِن الانتقادات الكثيرة المذكورة سابِقاً، فإنَ هذه النظريات قد حققت في بدء ظهورِها فوائِد جمة للمُجتمع الأوروبي، لأنها وقفت في وجه نِظام الحُكم المُطلق، وأيدت حقوق الشعوب، ووضعت حداً لِطُغيان الطبقة الحاكمة وطبقِة النُبلاء، ويبقى لها الفضل في تقديم أساس أيديولوجي لقيام السلطة، والقضاء على الاستبداد، واعتبار رِضا المحكومين أساساً لخضوع هذهِ السلطة.
لِذلِك قيل أن نظريَة العقد الاجتماعي قدمت أكبر خِدعَه سياسية حققتْ النجاح، وتتفِقُ هذهِ النظريات التعاقدية على أنَ الدولة هي حتمية تاريخية لِتطور المُجتمع مِن حيثُ أنَ الدولة هي أُسرَه تطورت يشكل تدريجي لبناء المُجتمع وتوسعت بعد ذلِك لتظهر القبائل فالعشائر والقُرى والمُدُن التي تطورت بفضل الحاجة لتُعطى في النهاية شكلاً وتنظيما يسمى الدولة، وكما أن العائلة تُعتبر البداية الأولى لظهور الحكومة.
كما أنَ هُناك تطور تاريخي آخر هو أن الدولة ظاهِره اجتماعيه لا يُمكِن رد نشأتِها إلى عامِل واحِد، وإنما يجب الاعتماد على عِدة عوامِل مِثل القوَه والدهاء والدين والحكمة والمال والغلبة والشعور بالمصلِح المشتركة التي تربِط أفراد الجماعة ببعضِهِم البعض، كُل هذا هو الذي أوجد الدولة بأشكال مختلفة، ومع أنَ هذهِ النظريات تتصِفُ بالعمومية فإنها تبقى الأقرب إلى الصواب حيثُ أسهمَت بوضع أسس وأشكال مختلفة لنظم الحُكم والسياسة وزودت الفِكر السياسي بِتاريخْ عميق إذ أصبحت مصدراً أساسياً لجميع المُهتمين بِقضايا السياسة وأنماط الحكومات وتطورها.

عزيزي الزائر
أرجو أن يكون الموضوع قد نال رضاك
 ولكم كل التقدير والاحترام
وسلام الله عليكم جميعا
وسنتناول أيّ موضوع بأفكار ورؤى  جديدة
انتظرونا قريباً
== القادم أجمل ==
نظريات العقد الاجتماعي التي تفسر أصل نشأة الدولة Reviewed by ahwalaldoalwalmogtmat on 11/18/2016 Rating: 5

هناك تعليقان (2):

  1. شكرا على الموضوع , هل لي بالمراجع من فضلك ؟

    ردحذف
  2. شكرا على الموضوع وعلى المعلومات اتمنى ان تكون مزيد من المواضيع .فقط اذا ممكن ذكر المراجع

    ردحذف

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.